في عام 1961ً بدأ نيلسون مانديلا رحلته السرية من جنوب إفريقيا ولم يقصد لندن أو باريس بل اختار القاهرة المدينة التي كانت حينها القلب النابض لحركات التحرر العالمية وعاصمة الأحرار من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تحت قيادة الزعيم جمال عبد الناصر.

في القاهرة تلقى مانديلا الدعم المعنوي والسياسي واللوجستي وفتح مكتباً لحزبه “المؤتمر الوطني الإفريقي” هناك أدرك أن نضاله ضد الظلم والاستعمار ليس مجرد صراع محلي بل جزء من معركة عالمية ، كانت الأمة العربية حينها تدرك أن حريتها لا تنفصل عن حرية الشعوب الأخرى.

لكن بعد ستين عاماً يقف العالم عاجزاً  أمام مأساة غزة حيث ترتكب جريمة إبادة جماعية ممنهجة وسط صمت دولي مخزٍ وتواطؤ إعلامي وعجز عربي لا يختلف عن الخيانة.

في يوم واحد يُسقط الاحتلال عشرات الشهداء من الأطفال والنساء وتُدمر البيوت والمستشفيات وتُجوع المخيمات عمداً  ومع ذلك نجد أن راعي هذه الجريمة بنيامين نتنياهو يُستقبل في عواصم عربية استقبال الفاتحين سراً وعلناً بينما لم يُكلف أحد نفسه إرسال شاحنة خبز أو حبة دواء لغزة.

في الأسابيع الأخيرة زار دونالد ترمب الدول العربية وحصل على مئات المليارات ، يدفعون الأموال صاغرين دون أن يكلفوا أنفسهم دعم غزة ولو بالكلمة أو الموقف ، و تم تقديمه كـ”صلاح الدين الجديد” في عواصم عربية رغم أنه راعي مجازر إبادة ضد إخوتهم الفلسطينيين.

لو كان مانديلا حياً اليوم لصرخ في وجههم : أين ضمير الأمة؟ كيف نفتح السجاد الأحمر لمجرم الحرب ونُغلق معبراً صغيراً أمام الجرحى؟ غزة ليست بحاجة إلى دموع بل لمواقف حقيقية وشجاعة ترفض الخنوع.

في زمن عبد الناصر كانت العروبة موقفاً وكرامة ، أما اليوم فتُداس الكرامة وتُحاصر غزة وتُحاك المؤامرات باسم “الواقعية السياسية” وكلنا ندرك انها لحماية كراسيهم .

غزة لا تريد بيانات بلا قيمة ولا قمم تتأخر حتى ينتهي دفن الضحايا ، غزة تريد أمة حيّة ترفع رأسها بفخر وأمة تعرف أن الدم الفلسطيني ليس ماءً وأن مآسي الأطفال تمس ضمائرنا جميعاً .

حين زار مانديلا القاهرة بعد خروجه من السجن وقف أمام ضريح عبد الناصر وقال:
“كنت أقف على أطراف القارة أشبّ على قدمي حتى تراني، عذراً لقد تأخر اللقاء 25 عاماً" . 

فهل سننتظر نحن 25 عاماً أخرى حتى نعتذر لغزة؟
هل سننتظر حتى تختفي خريطة الأطفال الأحياء لنسأل أنفسنا: لماذا سكتنا؟

التاريخ لا يُكتب فقط بما يفعله الطغاة بل بما يسكت عنه الأحرار.