في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات اغتال قنّاص من جيش الاحتلال الإسرائيلي صوت الحقيقة الصحفية شيرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها لاقتحام مخيم جنين ، رصاصة متعمدة اخترقت خوذتها رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة التي تُعرّفها بوضوح ، ومع ذلك لا يزال القاتل حرّاً والعدالة غائبة في عالم يُكافئ القتلة بالصمت والتواطؤ.
شيرين التي قالت: “اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الناس وأنقل معاناة شعبي وصراخ الأطفال الذين يُقتلون بدم بارد وأفضح جرائم الاحتلال” لم تكن فقط شاهدة على الجريمة بل أصبحت شهيدة الكلمة والصورة والحق ، ومع أنها اغتيلت على الهواء وأمام عدسات الكاميرات لم يُفتح حتى الآن تحقيق جاد تقوده جهة مستقلة ولا تم تقديم أي متهم للمحاكمة ، بل على العكس جاء تسريب اسم “قاتل محتمل” بشكل غامض ومتأخر جندي من جنود الاحتلال قُتل في جنين في محاولة مفضوحة للتهرب من العدالة وتبرئة المؤسسة العسكرية من مسؤوليتها المباشرة.
مواطنة أمريكية… لكن فلسطينية
شيرين لم تكن فقط صحفية فلسطينية بل أيضاً تحمل الجنسية الأمريكية ، وهنا تبرز أبشع وجوه المعايير المزدوجة ، الولايات المتحدة التي لا تتردد في فرض العقوبات والمطالبة بمحاكمة من يمس بأي مواطن أميركي في أي مكان في العالم تجاهلت تماماً اغتيال مواطنتها على يد جيش حليفها الاستراتيجي فقط لأنها فلسطينية.
والأشد فجاجة أن إمريكا نفسها تطالب بتسليم فلسطينيين نفّذوا عمليات ضد جنود اسرائيليون يحملون الجنسية الأميركية رغم أنهم أنهوا محكومياتهم في سجون الاحتلال وتضغط على دول عدة وتفرض العقوبات في حال لم يتم تسليمهم لمحاكمتهم في أميركا ، في المقابل لم تجرؤ واشنطن حتى على طلب تسليم الجندي الإسرائيلي الذي اغتال شيرين ولم تصدر بحقه مذكرة توقيف واحدة!
المحاكم الدولية… صمتٌ مريب
في ظل هذا التواطؤ تقف المؤسسات الدولية المعنية بالعدالة عاجزة عن الفعل أو خاضعة لحسابات السياسة و لم نسمع عن لجنة تحقيق دولية مستقلة ولم نر مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية رغم الأدلة المصوّرة وشهادات الصحفيين الذين كانوا برفقتها ، وكأن القانون الدولي لا يُطبق إلا على الفقراء والمستضعفين أما القتلة المدعومون سياسياً فمصيرهم الإفلات الدائم من العقاب.
ومنذ اغتيال شيرين قُتل العشرات من الصحفيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية على يد قوات الاحتلال ، ذنبهم الوحيد أنهم نقلوا الحقيقة وصوّروا المأساة وفضحوا جرائم الاحتلال ، ومع ذلك لم يُحاسب أحد ولم يرتجف جفن لأي قناص اسرائيلي لأنهم يعلمون أن أحداً لن يُقدَّم للمحاكمة.
الجريمة لم تنتهِ برحيل شيرين بل تكررت وتستمر كل يوم ، بالصمت بالسلاح وبالتواطؤ الدولي لكن صوت شيرين الذي حاولوا إسكاتَه ظل صدىً لا ينطفئ وأصبح رمزاً عالمياً للصحفي الحر ولسان حال الفلسطيني الذي لا يملك إلا الكلمة ليقاوم بها.
دعوة للعدالة… لا للانتظار
في الذكرى الثالثة لاستشهاد شيرين أبو عاقلة نطالب الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي نزيه ومستقل وندعو المحكمة الجنائية الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية ، إن استمرار الصمت هو طعن مباشر في صدقية القانون الدولي ومؤسساته.
العدالة لشيرين لم تعد مطلبا فلسطينياً فقط بل قضية إنسانية بامتياز والحرية للصحافة والكرامة لكل فلسطيني ليست هِبة من أحد بل حق يجب أن يُنتزع لا أن يُنتظر.