عرفت بلال الحسن شخصيا وانا فتى صغيرا دولة قطر من خلال والدي فتحي البلعاوي رحمة الله عليه والذي تربويا وكاتبا ،ومن خلال شقيقه ،مدرس اللغة الإنجليزية الاستاذ مسعود الحسن، (العم ابو مهند) امد الله في عمره عندما كنا نقطن في نفس العمارة السكنية في الدوحة.
عرفت من والدي ان بلال الحسن كان جزء من عائلة سياسية فلسطينية مميزة اخرجت قادة ومفكرون ينتمون إلى اتجاهات سياسية متباينة، كان بلال يمثل فيها الخط اليساري ،حين كان عضوا في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وممثلها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
عندما أبصرت مجلة "اليوم السابع" النور في باريس في عام ١٩٨٤ ،والتي أسسها بلال الحسن مع نخبة من الصحفين اللبنانيين والعرب كانوا زملاء له في جريدة "السفير " في بيروت برئاسة الاعلامي آلكبير الراحل طلال سلمان ،كنت حينها طالبا في فرنسا في مدينة بوردو وادركت منذ العدد الأول ،بحسي السياسي البسيط ،ان هذه المجلة الجديدة في الصحافة العربية شكلا ومضموننا، ستكون هي بوصلتي والتي استقي منها معلوماتي عن منظمة التحرير الفلسطينية اكثر من مجلتها الرسمية المركزية "فلسطين الثورة" ( والتي بعد قرابة عقد من الزمان سأصبح مراسلا لها ) حيث كانت تصدر من قبرص وكنت استلمها في البريد من خلال الاتحاد العام لطلبة فلسطين.
أما " اليوم السابع " فكان اشتريها صباح كل يوم اثنين من احدى المكتبات التي تبيع الصحف العربية ،وكنت اقرأها على مدار الاسبوع " من الغلاف الأول إلى الغلاف الأخير والذي كان يكتب به نخبة من كتاب الوطن العربي من مشرقه ومغربه.
كنت اجد في "اليوم السابع" وفي افتتاحيات بلال الحسن تحديدا شرحا سياسيا وافيا وذكيا لموقف منظمة التحرير الفلسطينية ،في فترة سياسية صعبة شهدت خروجها من لبنان عام ١٩٨٢ وعرفت بعدها انقساما داخليا حادا رعته ودعمته أطراف عربية ، ودخلت في مسار سياسي متعرج.
كانت لغة بلال الحسن ابعد ما تكون من الخطاب الرسمي الخشبي احيانا ، وكانت افتتاحيته تعطي مؤشراً للموقف السياسي الفلسطيني وللرئيس ياسر عرفات ، اكثر من ادبيات وتعاميم فصائل العمل الوطني الفلسطيني وتحديدا حركة " فتح".
في " اليوم السابع " تعرفت على المشهد الثقافي العربي بكل تنوعاته الغنية من المشرق والمغرب وكانت " اليوم السابع " جسرا بين المثقفين العرب بالإضافة أنها كانت إطلالة واسعة على العالم الثقافي الأوروبي والفرنسي تحديدًا.
في باريس حين كنت طالبا وناشطا ولاحقا صحفيا ثم دبلوماسيا في سفارة فلسطين هناك ، سنحت لي الفرصة ان التقي عديد المرات بالأستاذ بلال الحسن والذي لم يكن يبخل علي ، بخبرته السياسية الواسعة ودماثه خلقه ، بدروس من تجربة مسيرة " اليوم السابع " والتي تستحق ان يتم تدريسها في معاهد الصحافة اليوم كما كنت اسمع منه شرحا دقيقا لما يدور في مصنع القرار الفلسطيني .
ومؤخراً عندما وضعت كتاب " هاني الحسن صوت الحضور الأنيق والنوء العاصف " بمساعدة الأخوين العزيزين ثائر المصري ،والذي كان مدير مكتب القائد الراحل هاني الحسن وبكر ابو بكر رئيس الأكاديمية الفكرية لحركة فتح ،والصادر عن " الموسسة العربية للدراسات والنشر " في بيروت ، كانت شهادات بلال الحسن عن خروجه الماساوي هو وأسرته خلال النكبة عام ١٩٤٨ من حيفا إلى مخيم " عين الحلوة " في جنوب لبنان ،ونصوصه المهمة عن انتصار الثورة في ايران عام ١٩٧٩ ، ووصول الرئيس ياسر عرفات وتعيين شقيقه هاتي الحسن اول سفير لفلسطين في طهران ،وعن بداية الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢ ،من الفصول المهمة في هذا الكتاب .
تحية إلى بلال الحسن والى خالد الحسن وعلي الحسن وهاني الحسن وكل هذا الجيل الذي أسس لوعيا وطنيا فلسطينيا وعربيا نفتقده اليوم .
ملاحظة صور غلاف "اليوم السابع " مأخوذة من صفحة الفيسبوك للصحفي اللبناني القدير بير اي صعب والذي كان جزء من طاقم تحرير " اليوم السابع " في باريس .