"هذا الكتاب يجب أن تقرأه بالصباح الباكر... لأنك لن تستطيع التوقف عن القراءة وتركه" هكذا قال صديقي الذي يزودني بكتب فكرية من فترة إلى أخرى، وأضاف ناصيف معلم وهو يقدم لي كتابا بعنوان "أنطونيو التلحمي.. رفيق تشي جيفارا" للكاتب والمفكر سميح مسعود عن "الآن ناشرون وموزعون"، تخيل معي الصورة: مناضل فلسطيني كولومبي، قاتل في فلسطين مع عبد القادر الحسيني وفي أميركا اللاتينية مع جيفارا وكاسترو، وُلد في كولومبيا لعائلةٍ مهاجرة من بيت لحم، وزرع فيه جدّه حب فلسطين". لذلك يجب على الأجيال أن تتعرف على هذا المناضل الأممي الفلسطيني.
بدأت القراءة، وأعترف بأنه لأول مرة أشعر بشيء مختلف رغم حبي للكتب؛ هذا الكتاب يفتح شهيتك لتلتهمه بشراهة كلما قرأت كلمة ..جملة... فقرة... صفحة، وهنا اسمحوا لي أن أشكر الكاتب سميح مسعود ابن حيفا الذي قام بنقل الذاكرة الشخصية لقائد يجب على الرواية والملحمة الفلسطينية أن تتذكره، وللعديد من الأعمال الإبداعية في سياق توثيق الذاكرة الفلسطينية وإعادة إنتاجها ضمن مجموعة من الأعمال الروائية والسير الذاتية والكتب التوثيقية والدراسات البحثيّة المعمّقة.
عاد أنطونيو ـــ أنطون جميل سليم ـــ إلى فلسطين سنة 1936 ليشارك في ثورة شعبه. وبعد أن توقفت هذه الثورة اشتغل سائقاً للقنصل الأميركي العام في القدس، وكان هذا القنصل يتردد دائماً على دار الوكالة اليهودية للاتصال بالمسؤولين فيها ولذا كان حرس الوكالة يعرفونه.
بعد قرار تقسيم فلسطين عمل أنطونيو سراً مع المناضلين، وفي 11/3/1948 عبأ سيارة القنصل بالمتفجرات الموقوتة ودخل بها دار الوكالة وتركها هناك فانفجرت، ودمرت الجناح الشمالي لدار الوكالة كاملاً، وصدعت باقي الأقسام، وشب حريق هائل أتى على أكثر الملفات والسجلات، كما دمرت في الانفجار عمارة صحيفة "جيروزاليم بوست"، وأصيبت بنايات أخرى بأضرار جسيمة، وقتل تقريباً 40 شخصاً كان من بينهم عدد من المسؤولين في الوكالة اليهودية، وجرح آخرون.
في سيرة هذا المناضل العديد من المجريات والأحداث التي يجب دراستها والتعمق بها ليس فقط على الصعيد الفلسطيني، وإنما أيضاً على صعيد تجربة المُناضل تشي جيفارا، وخصوصاً في فترة تواجده في أدغال بوليفيا العام 1966، على سبيل المثال يكشف لنا أنطونيو عن مخاوفه بعد رفض الحزب الشيوعي البوليفي والأحزاب اليسارية والوطنية ونقابات العمال الوقوف معهم وهذا ما جعل شعوره بأنهم "يلقون أنفسهم وسط نيران مشتعلة، بإمكانات محدودة من حيث الرجال والعدد، على عكس ما كان عليه الحال في كوبا، عندما استقطبت حركة 26 يوليو أعداداً كبيرة من قوى الشعب".!!
كتاب أنصح الجميع بقراءته، كما أدعو الكُل الفلسطيني حسب الاختصاص من مؤسسات ثقافية، فنية، فصائل وأحزاب ـــ من كل الألوان ـــ بلدية بيت لحم وكافة مؤسساتها، المكاتب والجامعات، بتعريف وإحياء وتذكير المجتمع الفلسطيني والمجتمعات الحرة بهذه الشخصية الأُممية، وهنا يجب أن نشكر د.أنطونيو مارتينيز كاسترو الذي قام بترجمة الكتاب في دار نشر "إنّر تشايّلد برس" بالولايات المتحدة الأميركية باللغة الإسبانية كخطوة مهمة في استذكار هذا المناضل لدى شعوب أميركا اللاتينية.