بعد 7 أكتوبر لعام 2023، أنتج المقاوم الفلسطيني من خلال إعادة تدوير المصطلحات الهندسية والخوارزمية في علم الرياضيات الحديث مصطلحا جديدا؛ بأدوات بدائية أمام الآلة الصهيونية العسكرية الاحتلالية أصبح يعرف بالمسافة صفر وذلك بجرأة عالية لا تحدث حتى في أفلام «هوليوود» من رامبو وسوبرمان!!
وإذا ما أسقطنا مصطلح المسافة صفر على كافة مناحي الحياة التي يعيشها الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة وحتى بالداخل؛ لوجدنا أننا نعيش اللحظة الآنية الزمانية والمكانية بكل مكوناتها من مسافة صفر والكل يراقب متى الانفجار.. الانفجارات؛ فالكل بالمعنى الفردي الجماعي أصبح ضاغطا على كبسة التفجير دون الاكتراث لتبعات الأمور وأين ستأخذنا المُخرجات؟!
المسافة صفر.. بين الحياة والموت لقمة خبز وجرعة ماء، ما تعيشه غزة من تجويع بالحصار والضفة الغربية من تجويع ناعم بدأ يضرب آلاف العائلات بصمت دون اكتراث عالمي وعربي وإسلامي، لدرجة بأننا أصبحنا «فُرْجِة» للمؤسسات الدولية تتباكى علينا وتجمع الأموال على حساب موتنا وعذاباتنا.
المسافة صفر.. يعيش الفلسطيني في تيه يومي لا يصدق الملهاة بتراجيدية حديثة أصعب من كل المذابح التي شهدها كوكب الأرض، فعدد الشهداء والجرحى تجاوز العقل البشري، هذا التيه اليومي جعلنا أشبه بالأحياء الأموات وربما مومياء تتصارع مع كل ما هو حولها.
المسافة صفر.. في واقع اقتصادي وسياسي ومذبحة لا مثيل لها؛ تخرج لنا بعض الشركات والمدارس الخاصة والتجار برفع الأسعار، وكأن المواطن يعيش في حياة من الرفاهية والسعادة لا مثيل لها وما ينقصه الآن سوى رفع الأسعار، وللأسف كل ذلك دون رقيب أو حسيب.
المسافة صفر.. المواطن يضيق بكل ما هو حوله؛ فهو يتذوق مرارة العيش بأشكال مختلفة طبعاً؛ ما جعله يبتعد عن المؤسسة بكل أنواعها الحكومية، النادي، الجمعية، النقابة، الحزب والفصيل، حتى الشركات الخاصة المزودة له بالخدمات أصبح يرفضها، ما جعل المواطن يعيش حالة اغتراب وكأنه وحيد في هذا العالم لا سند وداعم له.
المسافة صفر.. يخرج لنا على الفضائيات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي من هو فلسطيني وغير فلسطيني من متحدثين وإعلاميين وفنّانين وسياسيين؛ لجلدنا وتهديدنا، البكاء علينا، تحميلنا مسؤولية تدهور اقتصادهم، والأهم ضخ كميات من الأوهام المضللة الهادفة للحفاظ على ذاته كمسؤول أو/و فصيله وحزبه.
أصبحت المسافة صفر تأخذ مناحي مختلفة وكثيرة بإمكان الجميع كتابة ما هو أكثر مما ذكرت، المسافة صفر في سياقات مختلفة نجدها مسافة المسافات التي يخوضها كل منا في حياته، ربما تجمعنا مسافات صفر كثيرة على أرض الواقع لا يحكمها مكان أو زمان له ولا حتى قواعد اشتباك، لكن يوحدنا بأننا أصبحنا مقتنعين ومؤمنين أن المسافة صفر هي الخلاص الوحيد لمواجهة مشاكلنا وتحدياتنا.