قد يكون هذا عنوانا واستهلالا صادما ولكنها الحقيقة التي لا يمكن لكل أشكال التنديد والشجب العربية والدولية والدعوات والتمنيات من تغييرها. صحيح أن حرب الإبادة في غزة وممارسات المستوطنين في الضفة أثارت الرأي العام وحركت الشعوب والمنظمات الدولية ضد دولة الكيان وأحيت القضية مجددا اعلاميا، ولكن كل ذلك لا يؤثر على مجريات الحرب ولم ولن يردع نتنياهو وكيانه اليهودي الصهيوني الإرهابي عن استكمال المشروع الصهيوني التوراتي الذي بدأ عمليا عام 1948.
  ما وصلت اليه الأمور في قطاع غزة من جوع وفقر وانتشار للأمراض وغياب متطلبات الحياة الضرورية من دواء ومياه واستمرار آلة الموت الصهيونية في حصد مئات المواطنين يومياً ما بين شهيد وجريح والتهديد باجتياح رفح ... كل ذلك يتطلب درجة عالية من الصراحة والوضوح وإعمال العقل وتجاهل الخطابات والشعارات المضخمة عن المقاومة وقدراتها وعن الصمود الخارق للشعب الفلسطيني الخ التي يروج لها المتفرجون خارج الوطن الذين يرومون إخفاء عجزهم عن القيام بواجبهم القومي والإسلامي والإنساني بالزعم أن المقاومة في غزة بخير وأن أبطال حماس والفصائل يقومون بواجبهم في الدفاع عن غزة والقدس وكرامة الأمة العربية والإسلامية، ويعتقدون أن السماح لمحطاتهم الفضائية باستضافة كل من هب ودب من أشباه ومدعي الخبرة في السياسة والاستراتيجية العسكرية بنقل ما يجري في غزة والحديث عن بطولات وصمود أهلها، أو تصوير شاحنات المساعدات الغذائية التي يرسلونها لحدود القطاع  دون أن يجرؤوا على إدخالها للقطاع، معتقدين أن كل ذلك سيعفيهم من المسؤولية عن أكبر جريمة إبادة جماعية في حق شعب وقضية كانوا يزعمون أنها قضيتهم الأولى .
نعم نقولها بصراحة إن القضية الفلسطينية ليست بخير وأهل غزة ليسوا بخير ومكرهون على الصمود والصبر لأنه لا بدائل أمامهم، وأن المقاومة ليست بخير بالرغم من البطولات الفردية للمقاتلين، ومهما كان بأس المقاومة فلن تُوقف العدو عن تنفيذ مخططاته بما في ذلك اجتياح رفح، ونقولها بصراحة أيضا إن هدف حركة حماس الحفاظ على سلطتها في القطاع بأي ثمن حتى من خلال قمع المواطنين واسكات المحتجين والمعارضين بقوة السلاح والمساومة على دماء خوالي 50 الف شهيد ومفقود وأضعافهم من الجرحى والمعاقين والمعتقلين.
كل ما يجري من تطورات عسكرية وفشل كل المفاوضات حول الهدنة وصفقات تبادل أسرى والتي تفشلها إسرائيل عمداً لكسب الوقت، يؤكد أن العدو سينفذ مخططه المُعد مسبقاً في القطاع بما في ذلك التهجير الى سيناء أو خارجها ولن تردعه الحواجز والاسلاك الشائكة التي تضعها مصر على حدودها ولا التهديد بوقف العمل باتفاقية كامب ديفيد وقطع العلاقات، كما لن تلتفت إلى كل التحذيرات والتنديدات من دول العالم التي لا تتجاوز انتقاداتها المطالبة بتجنب وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، فإسرائيل تعرف أن هذه الدول التي سكتت على جرائمها طوال أكثر من أربعة أشهر لن تفعل لها شيء في حالة قيامها بمجزرة جديدة في رفح وتهجير سكانها ، وهذا العالم العاجز والمتواطئ سيقول إنه عمل ما في وسعه ولكن نتنياهو لم يستمع كلامهمّ، وما بعد مجزرة رفح سيتم تحميل شخص نتنياهو مسؤولية الجريمة وحرب الابادة وتعود العلاقات الرسمية بين إسرائيل ودول العالم الى طبيعتها وسيتواصل التطبيع مع الدول العربية أقوى مما كان. وسيتواصل العجز الرسمي الفلسطيني بل ستكون منظمة التحرير والسلطة أكثر ضعفاً مما كانتا وستدفع الضفة والقدس ثمن الانتصارات المزعومة لحماس في غزة.
 في مقابل كل هذه المعاناة والدمار ستواصل حركة حماس في الترويج لخطاب النصر وسترفع رايتها على أنقاض بيوت ومدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد ومتاحف غزة وعلى جثث وأشلاء وقبور أكثر من خمسين ألف شهيد، وستستمر في المكابرة والمعاندة وترويج وهم أن هزيمتها كحركة إسلامية هزيمة للإسلام وأن هزيمتها كحركة مقاومة هزيمة للمقاومة، متجاهلة انها مجرد حزب أو جماعة سياسية وسيستمر الإسلام والمقاومة في فلسطين بوجودها أو بدونه، وأن الحرب ليست على حركة حماس بل على كل الشعب والقضية وأن العدو مخادع في حديثه عن الحرب على غزة وحماس، فما يسعى له هو القضاء على القضية الوطنية برمتها..
الشيء الإيجابي الوحيد في كل ما يجري هو انكشاف حقيقة إسرائيل ككيان عنصري إرهابي ونازي عند جزء كبير من شعوب العالم الغربي حتى في الولايات المتحدة الامريكية، وأن هزيمة أو فشل فصائل المقاومة والنظام السياسي الرسمي في مواجهة المخطط الصهيوني لا يعني هزيمة الشعب ونهاية القضية الفلسطينية فسينهض الشعب مجددا كما نهض وثار بعد نكبة 1948 وبعد نكبة 1967 وبعد خروج الثورة من لبنان ودول الطوق 1982.فهل الطبقة السياسية الفلسطينية مؤهلة للبناء على ذلك في مرحلة ما بعد الحرب؟