صدى نيوز - اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش ووكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية، الخميس 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، جيش الاحتلال الإسرائيلي، بقتل صحفي رويترز، عصام عبد الله وجرح ستة صحفيين آخرين، وقدمت أدلة على أن الهجوم الإسرائيلي على الصحفيين في جنوب لبنان كان متعمداً.

حيث خلُص تحقيق أجرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن الضربتين الإسرائيليتين في لبنان في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اللتين قتلتا الصحفي في "رويترز" عصام عبد الله وجرحتا ستة صحفيين آخرين، هما هجوم متعمد مفترض على المدنيين، وبالتالي جريمة حرب.

المنظمة أوضحت أن شهادات الشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها "هيومن رايتس ووتش" تشير إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين تماماً عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحاً أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن تصيبهم هجمتان متتاليتان. ولم تجد "هيومن رايتس ووتش" أي دليل على وجود هدف عسكري قرب موقع الصحفيين.

فيما قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "هذه ليست المرة الأولى التي يفترض فيها أن القوات الإسرائيلية هاجمت صحفيين عمداً وتسببت بالقتل والدمار. يجب محاسبة المسؤولين والإعلان بوضوح أن الصحفيين وغيرهم من المدنيين ليسوا أهدافاً مشروعة".

أجرت "هيومن رايتس ووتش" مقابلات مع سبعة شهود، بينهم ثلاثة من الصحفيين المصابين الذين كانوا برفقة عصام عبد الله، وحلّلت 49 مقطع فيديو وعشرات الصور، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ممثل عن "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)، واستشارت خبراء عسكريين وخبراء في مجال الفيديو والصوت. 

في 17 و26 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت "هيومن رايتس ووتش" رسائل تتضمن نتائج وأسئلة إلى القوات المسلحة اللبنانية والإسرائيلية، على التوالي، لكنها لم تتلق رداً من أي منهما.

تشير الأدلة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو ينبغي له أن يعلم، أن مجموعة الأشخاص الذين أطلق النار عليهم كانوا مدنيين.

في 14 أكتوبر/تشرين الأول، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، إن الجيش "يشعر بأسف شديد لمقتل الصحفي". في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال هيشت لرويترز إن الجيش "ينظر في اللقطات و[سيقدم] إجابة عندما نكون مستعدين". لكن ذلك لم يحدث.

كما تشير أدلة الفيديو، والتحليل الصوتي من قبل خبراء، وشهادات الشهود إلى أن المجموعة كانت مرئية لكاميرات طائرة مسيّرة قريبة هي إسرائيلية على الأرجح، وضمن مجال الرؤية من خمسة أبراج مراقبة إسرائيلية، وأنه يرجّح أن المجموعة استُهدفت بوحدة ذخيرة واحدة على الأقل من المدفع الرئيسي لدبابة من موقع عسكري إسرائيلي على بعد نحو 1.5 كيلومتر في الجنوب الشرقي.

بينما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد نوع وحدة الذخيرة الثانية التي أصابت الصحفيين.

وقعت الهجمات حوالي الساعة 6 مساء في 13 أكتوبر/تشرين الأول. وقال الأشخاص الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" إن الصحفيين تجمعوا الساعة 4:45 بعد الظهر في منطقة خالية على قمة تل في علما الشَّعب لتصوير القتال على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل.

قبل حوالي ساعة من الهجمات، بعد ما يشتبه أنه محاولة تسلل من قبل مسلّحين من لبنان إلى بلدة حنيتا الإسرائيلية، على بعد نحو 2.2 كيلومتر، تم تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين القوات الإسرائيلية ومجموعات مسلحة.

قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون لرويترز إن "حزب الله" أطلق النار على عدة مواقع حدودية، بما فيها "صاروخ مضاد للدبابات أصاب السياج الأمني الإسرائيلي". 

بينما قالت اليونيفيل، في بيان لها ذلك اليوم، إنه "وقع تبادل كثيف لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في محيط بلدات علما الشعب وعيتا الشعب والضهيرة والعديسة وحولا"، حوالي الساعة 5:20 مساء. بعد 40 دقيقة، أصابت وحدتا ذخيرة موقع الصحفيين. التقطت خمس كاميرات للصحفيين بشكل غير مباشر الهجوم وآثاره؛ ما سلط الضوء على كيفية تنفيذ الهجوم ومصدره.

كما قال الصحفيون الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" إن وحدة الذخيرة الأولى أصابت الصحفي في رويترز عصام عبد الله وجداراً إسمنتياً منخفضاً؛ ما أدى إلى مقتله فوراً وإصابة المصورة الصحفية في "وكالة فرانس برس" (أ ف ب) كريستينا عاصي بجروح بالغة. بعد 37 ثانية، أدى هجوم آخر إلى تدمير سيارة تابعة لقناة "الجزيرة" واشتعال النيران فيها وجرح ستة صحفيين، بينهم كارمن جوخدار وإيلي براخيا من الجزيرة، وديلان كولينز وكريستينا عاصي من أ.ف.ب، وثائر السوداني وماهر نزيه من رويترز.

فيما قال كولينز، وجوخدار، وبراخيا لـ"هيومن رايتس ووتش" إن الصحفيين السبعة كانوا يرتدون خوذات وسترات واقية زرقاء مكتوباً عليها "PRESS" (صحافة)، وكان يمكن التعرف عليهم بوضوح على أنهم صحفيون. تم تأكيد ذلك من خلال الفيديوهات التي حلّلتها "هيومن رايتس ووتش". 

يُظهر أحد الفيديوهات، المنشور على حساب عاصي في "إنستغرام" قبل ساعة على الأقل من الهجوم، خمسة صحفيين، بينهم عبد الله، يرتدون السترات والخوذات الزرقاء التي تحمل إشارات مرئية بوضوح. كما تظهر لقطات أخرى المجموعة وهي ترتدي السترات والخوذات ذات الإشارات الواضحة في المنطقة نفسها، قرب سيارة مكتوب عليها "TV" (تلفزيون) بأحرف كبيرة على غطاء محرك السيارة.

ظل الصحفيون ثابتين في هذا الموقع المكشوف، ضمن مجال الرؤية للقوات الإسرائيلية المتمركزة في شمال إسرائيل، على بعد 2.2 كيلومتر، لمدة ساعة و15 دقيقة على الأقل، وفقاً لأقوال الصحفيين وأدلة الفيديو. أجرى صحفيو الجزيرة تقريرين تلفزيونيين مباشرين؛ الأول الساعة 4:55 مساء والثاني الساعة 5:24 مساء من الموقع نفسه. كما عُرض البث المباشر لرويترز وأ.ف.ب في عدة محطات تلفزيونية خلال تلك الفترة.

كما أكدت "هيومن رايتس ووتش" وجود "هليكوبتر" إلى الجنوب من موقع الصحفيين قبل ساعة و30 دقيقة و5 دقائق من الضربة من خلال فيديوهات راجعتها. أشارت إفادات الشهود والمراسلين الذين كانوا يبثون على الهواء مباشرة في ذلك الوقت بأن الهليكوبتر كانت تحلّق فوق المنطقة لفترات مختلفة قبل الضربة الأولى، بما يشمل آخر 15 دقيقة، ودقيقة واحدة قبل الهجوم.

فيما حددت إفادات الشهود والتحليل الصوتي للفيديوهات التي أجراها فريقان من الخبراء الذين استشارتهم "هيومن رايتس ووتش"، بينهم منظمة "إيرشوت" غير الحكومية وخبير في الولايات المتحدة، وجود طائرة مسيّرة بمروحة قبل الضربة الأولى. 

وفقاً لتحليل صوتي أجراه خبيران، حامت الطائرة قرب موقع الصحفيين 11 مرة خلال الـ 25 دقيقة التي سبقت الضربتين. خلّص تحليل ثالث أجرته مجموعة بريطانية لخبراء الصوت إلى أن الصوت يتوافق مع صوت محرك كهربائي يدور حول موقع الصحفيين قبل الضربة الأولى، ويمكن أن يكون دليلاً على وجود طائرة مسيّرة بمروحة.

تشير جميع الأدلة التي تمت مراجعتها إلى أن الصحفيين لم يتواجدوا قرب المناطق التي تشهد أعمالاً قتالية مستمرة. في 49 مقطع فيديو حللتها "هيومن رايتس ووتش" وحددت موقعها الجغرافي، وجد الباحثون أن الصحفيين كانوا على بعد كيلومتر إلى كيلومترين من المناطق التي أبلِغ عن الأعمال القتالية فيها. 

بينما قال جميع الشهود إن الغارات الجوية والاشتباكات المسلحة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة تركزت في المنطقة القريبة من السياج الحدودي، على بعد كيلومتر إلى كيلومترين من الصحفيين.

لم يشر أي من الأدلة إلى وجود أي هدف عسكري قرب الصحفيين. الهجوم على الموقع استهدف الصحفيين بشكل مباشر، بضربتين متتاليتين خلال 37 ثانية.

قال شاهد في علما الشعب إنه رأى خطين أحمرين يضربان موقع الصحفيين من قمة تلة قرب جرديح في شمال إسرائيل، على بعد حوالي 1.5 كيلومتر من موقع الصحفيين. تؤكد صور الأقمار الصناعية لمنطقة تبعد حوالي 1.5 كيلومتر جنوب شرق موقع الصحفيين في جرديح، الملتقطة صباح أيام 12، و13، و14 أكتوبر/تشرين الأول، وجود نشاط عسكري في هذا الموقع.

كما قال قيس: "تشير الأدلة بقوة إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تعلم، أو ينبغي لها أن تعلم، أن المجموعة التي تعرضت لهجومها هي صحفيون. هذا الهجوم غير قانوني، وهو هجوم متعمد مفترض على مجموعة صحفيين يمكن رؤيتها بشكل واضح جداً".