تلقى الشارع الفلسطيني قرار الرئيس محمود عباس، إحالة عدد من المحافظين وثلة من السفراء للتقاعد ،بحالة من الأرتياح العام،ومزيد من الامل في عيون الفلسطينين بأن الاصلاح والتغيير بات مطلبا ملحا، فالفلسطينيون يتطلعون لرؤية جيل جديد شاب يعتلي دفة المناصب الرفيعة في الدولة، ومع إقالة عدد من المحافظين والسفراء،بات الانتظار سيد المشهد لمعرفة من سيخلفهم،ولطالما تحدثوا بمختلف اطيافهم عن أهمية الأداء الدبلوماسي الفلسطيني في الخارج وعن مخرجات هذا العمل ونتائجه،فدولة فلسطين لها ما يقارب (103)سفارات تعمل في الكثير من دول العالم،وقد عملت هذه السفارات والممثليات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية ضمن ديناميكية عشوائية وارتجالية ولم تؤتي اكلها في تجسيد المصالح الفلسطينية في تلك الدول،الأمر الي أستببعه بالضرورة حالة من السخط الشعبي حول هذا الأداء،وقد جاءت خطوة الرئيس محمود عباس بأقالة ثلة من  المحافظين وعدد من السفراء مما تجاوزت اعمارهم 65 لتشفي صدور قوم وطنيين،ولاقت أعجابا وتفاعلا شعبيا كبيرا سواء المجالس العامة أو عبر شبكات التواصل الأجتماعي بسبب عدم نحاج هؤلاء السفراء في الترويج للقضية الفلسطينية كما ينبغي، ,وقد كان عمل تلك السفارات والبعثات مثالا حيا للفشل الدبلوماسي الفلسطيني، فأخذت القضية في الانحدار والتراجع دوليا وإقليميا وإعلاميا،ونكاد نجزم بالقول بأن تلك السفارات او البعثات لم تتفاعل مع مجريات الاحداث السياسية الساخنة واليومية التي تحدث في فلسطين في البلدان التي تعمل بها،ولم تسعى كما يجب الى التأثير في البلدان المضيفة والرأي العام فيها عبر ممارسة الدبلوماسية بشقيها الرسمي والشعبي،لخلق حالة من الضغط في تلك الدول بما يعود بالنفع لمصلحة القضية الفلسطينية،خاصة في ظل اعتداءات الاحتلال الأسرائيلي والإستيطان والاقتحامات والاعتقالات التي تستهدف الشعب الفلسطيني، ناهيك عن الجرائم الموصوفة التي يرتكبها الاحتلال بالهدم والتهجير القسري الجماعي وسياسة التطهير العرقي التي تمارس ضد الفلسطينين في المناطق(ج)،ومشاريع الضم التي تبتلع أراضي الضفة الغربية، وجرائم المستوطنين في الضفة،وسياسة الإعدامات اليومية الميدانية وإعتقال الأطفال القصر والنساء والاحكام التعسفية، وكان بوسع هذه السفارات والبعثات الدبلوماسية مخاطبة الضمير الانساني لشعوب العالم وإخراج بيانات ووقفات إحتجاجية ودعوة سفراء العالم في مقرها للتعريف بالواقع الفلسطيني، لكنها ارتضت لنفسها ان تكون دبلوماسية صماء،فكان نتاج حصادها الدبلوماسي حصادا مرا لا يليق بتضحيات شعب عظيم                                     .                                                                                                      
                                                                                                   
باستعراض الحالة الدبلوماسية الفلسطينية، وبالتدقيق في قرار الرئيس وملابسات صدوره نجد بأنه كان بمثابة ثورة من اجل التغيير،ويعبر عن عدم رضا الرئيس عن الأداء الدبلوماسي لمعظم السفارات التي تعمل في الخارج،فجاءت ريح رئاسية عاتية لتعصف بأولئك السفراء الذين تقادم عليهم الزمن،وهي خطوة ضرورية من أجل التجديد في عمل السفارات،لاختيار سفراء شبان لديهم القدرة على محاكاة الشعوب عبر تقنيات جديدة كالدبلوماسية الرقمية،ولضخ دماء جديدة في الشريان التاجي الدبلوماسي،حيث ان الدبلوماسية الفلسطينية تعاني من ذبحة صدرية وضيق تنفس،الامر الذي يستدعي ضخ دماء جديدة تجبنا لأصابتها بنوبة قلبية دبلوماسية،فجاءت تلك الريح العاصفة لتنقذ الموقف قبل فوات الأوان،وبذات الوقت كان القرار تطبيق عملي لنص المادة(22)من قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني التي تقضي"بأحالة موظفي السلك الدبلوماسي للتقاعد عند بلوغهم سن ال60 عاما،فيما يجوز تمديد خدمة السفراء استثنائيا سنة واحدة قابلة للتجديد بموافقة الرئيس بناء على تنسيب من الوزير،وبحد أقصى خمس سنوات"،وبما أن هناك اكثر من 35 سفيرا تجاوزت اعمارهم السن القانونية للتقاعد،فربما أراد الرئيس تفعيل نص المادة 22 من قانون السلك الدبلوماسي لأن النصوص القانونية جاءت من اجل اعمالها لا اهمالها،فكانت الخطوة ذات غايات متعددة ومزودجة،ومن المتوقع ان نشهد سلسلة تغييرات في الكثير من المناصب الحساسة،وقد تخلق تلك القرارات نقطة تحول في المشهد الفلسطيني وصولا الى التغيير المنشود.                                                                                           

                                                                                                                   
ولعلي انا الكاتب الفقير لعفو الله، كنت قد كتبت في وقت مضى حول ضعف الاداء الدبلوماسي الفلسطيني في مقالات عديدة ومنشورة وطالبت بالتغيير للوصول الى عمل دبلوماسي افضل يليق بتضحيات هذا الشعب،وقد شعرت بمزيد من الارتياح لقرار الرئيس لأنه كان جزء من مطالبي، وما انا ككاتب الا ضمير مستتر لرغبات الشعب، وقد تشرفت بلقاء السيد الرئيس في أوائل شهر اوكتوبر من العام 2019،وكان لقاءا رائعا تجاذبت مع سيادته اطراف الحديث،وشعرت بالود والدفء بالحضرة الرئاسية، وكان متقد الذكاء والنشاط ويضج بالحيوية والعطاء، ولعله ومن نافلة القول بان الرئيس محمود عباس هو شيخ الدبلوماسية الفلسطينية،فقد جاب دول العالم وشرح القضية الفلسطينية في أصعب المراحل السياسية،وحققت الدبلوماسية الفلسطينية تحت اشرافه المباشر نجاحات مشهودة على الصعيد العالمي، التي لربما كان أبرزها اعتراف العالم بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة عام 2012، وأيضًا قرار مجلس الأمن (الملزم) 2334 للعام 2016 حول المستعمرات (المستوطنات)، إضافة لقرارات اليونسكو ومنظمات حقوق الانسان المؤيدة لفلسطين وغيرها،وأنضمت فلسطين للعديد من المؤسسات والمنظمات الدولية بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية،بل وللمرة الأولى تترأس فلسطين مجموعة 77+الصين،وقد كان دعوة الرئيس لزيارة الصين الشعبية تعبيرا حقيقيا عن احترافية عالية لديه في ممارسة العمل الدبلوماسي رغم المعيقات المحيطة بالقضية الفلسطينية،وحققت مكاسب سياسية واقتصادية،وسيذكر التاريخ يوما بأن حاكما عربيا وفي جلسة مغلقة جمعته مع قادة منظمات يهودية،نادي بضرورة استغلال واشنطن حالة الضعف العربي غير المسبوق والانقسام الفلسطيني من اجل انهاء القضية الفلسطينية،وأن ممثلي حكام دول عربية احتشدوا على اراضي فلسطينية محتلة بجانب وزير خارجية اسرائيلي يميني يقف بجوار وزير خارجية امريكا، من اجل اعادة تشكيل خريطة وتحالفات الشرق الأوسط،انطلاقا من تجاهل قضية فلسطين ومصير القدس،ورغم ان الرئيس يرى ما تراه زرقاء يمامة العرب في السياسية العالمية،الأ انه سعى لتحقيق التكامل العربي في مختلف القضايا لأيمانه بأن الامة العرب تمثل الحائط والسند مهما كان الاختلاف في جملة المواقف والسياسات،فالاستراتيجي لا يجعل من التكتيكي يقفز عاليا ليحطمه ويحل محله،فهو يعلم مكنونات السياسة الدولية منذ زمن سحيق،وسياسي عتيد وعنيد،وابقى على القضية الفلسطينية حاضرة على الموائد الدولية،وأحبط مؤمرات عدة ضد القضية الفلسطينية،ويصوغ معادلاته السياسية بين الأضداد ببراعة ويحاول الجمع بين المتناقضات.                                               

مما سبق نخلص الى القول بأن قرار الرئيس بأقالة عشرات السفراء كان تطيبقا لروح ونصوص القانون،ولاقى ارتياحا عاما لدى الشارع الفلسطيني،ونتطلع لعاصفة التغييرات لاحداث فرق جوهري في اختيار سفراء يعملون باسم فلسطين ولصالح فلسطين،ويحققون نتائج على الأرض،وبموازة ذلك اختيار سفراء يحملون ثقافة وفكرا فلسطينيا حرا،ولديهم احاطة كاملة بمجريات السياسة حول العالم،ليكونوا دعاة يستجاب لهم في دعم فلسطين،ما هي الفائدة المتوقعة من عمل السفراء إذا كانوا لا يمتلكون الثقافة الواسعة والاطلاع العميق على قضايا بلادهم، ولا تكون لديهم القدرة الفائقة للتعبير عن ذلك من خلال امتلاك ثقافة متقدمة يستطيع من خلالها محاكاة البلد المضيف ،وما جدوى عمل سفراء دولة فلسطين إذا كانوا لا يستطيعون الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفضح الجرائم الإسرائيلية، وانتهاكات الاحتلال المتكررة للقانون الدولي؟! وما جدوى عملهم إذا كانوا لا يستطيعون التواصل مع القانونيين في مختلف الدول، وحشد الدعم القانوني والسياسي،فشكرا سيادة الرئيس،،، شكرا من الأعماق الى جزر البنفسج والنخيل.