كتب رئيس تحرير صدى نيوز: لو تعلمت كل حكومة فلسطينية من أخطاء سابقاتها لاستراحت وأراحت، لكن الواقع يقول إن كل حكومة تريد تجربة نفس الخطأ وهي موقنة أن النتيجة ستكون إيجابية، وهو ما لم ولن يحدث! وآخر صيحات الوقوع في نفس الحفرة هي نبش ملف قانون الضمان الاجتماعي مرة أخرى، وكأن الحكومة الحالية تحمل من رصيد ثقة المواطنين ما سيجعلها تجتاز هذا الملف وتمرره!!

وزير العمل الفلسطيني أعلن قبل أيام عن بدء النقاشات للشروع في تطبيق قانون الضمان الاجتماعي، قائلاً إن القانون سيشهد 42 تعديلاً، وإنه سيتم فتح النقاشات مع المواطنين لإنجازه!

لا أحد يشكك بأن قانون الضمان حاجة للجميع بل وضرورة قصوى لتطبيقه أسوة بباقي الدول المتحضرة وحتى نحقق الحياة الكريمة لآلاف العمال وخاصة في سن العجز والشيخوخة، ولكن لا يكتمل ذلك الا بتهيئة ظروف جديدة ملموسة فعليا للمواطنين حتى يتم قبوله.

هل تم نقاش القانون من جهات الاختصاص حول التعديلات اللازمة عليه؟ ومع أي الجهات الممثلة لشرائح المجتمع الفلسطيني تم ذلك؟ هل تمت مع أعضاء مجلس تشريعي منتخبين أو نقابات ممثلة فعليا للعمال؟ هل تمت الاستجابة للملاحظات لمن احتجوا سابقا؟ هل تم الأخذ بعين الاعتبار السقطات التي وقعت فيها الحكومة السابقة في هذا الملف؟ أم أننا نحتاج لاحتجاج جديد ونزول آخر إلى الشارع حتى يتم تحقيق ذلك؟

الواقع يقول انه لا يوجد مجلس تشريعي منتخب، كذلك فإن بعض النقابات ليست منتخبة من قواعدها ولم يتم عمل نقاشات جدية وجديدة مع من قادوا الحراكات السابقة، فهل من الممكن ان تستقبل وزارة العمل آلاف العمال وأرباب العمل للنقاش حول مواد القانون وحول الجهات الضامنة والرقابية على سلامة نجاح الصندوق؟

هل ستقبل البلديات والجامعات والشركات الكبرى والعمال تسليم الأموال والمدخرات للعمال لمجلس إدارة  للضمان لا يختاره ديمقراطيا؟! بالتأكيد لا.

الأصل ان تقوم وزارة العمل بالإعلان عن بدء النقاشات والحوار حول القانون عندما يتم عقد انتخابات للمجلس التشريعي وانتخابات النقابات واتحاد العمال حتى تتمكن من أخذ كل الملاحظات لتعديل القانون، وليقتنع العمال أن مجلس إدارة الضمان الاجتماعي خاضع لمراقبتهم ولرقابة مجلس تشريعي فاعل.

الشارع الفلسطيني مشتعل أصلا بسبب الضائقة المالية، حيث خرج الشارع من إضراب للمعلمين استمر 80 يوماً، فهل مطلوب فتح جبهة جديدة مع العمال؟! وهل هذه الحكومة تحظى بثقة الشارع أكثر من الحكومات السابقة؟ الواقع والحقيقة تقول لا، فحالة الغليان بدأت منذ إعلان وزير العمل عن ذلك دون سابق انذار.

المعيقات السابقة ان لم تكن قد زادت فإنها بالتأكيد لم تنقص وبالتالي على الحكومة التريث والاستفادة من دروس الماضي البعيد والقريب، الجماهير لا تُكسر بل من المهم ان يتم اقناعها وتجنيدها لهذا القانون السيادي والهام، وعدم زيادة احتقان الشارع المحتقن أصلا.

أموال الضمان مليارات سواء من البلديات والجامعات والشركات الكبرى أو حتى اموال العمال المحجوزة لدى الطرف الاسرائيلي وتحتاج لعقول بل ولبيئة آمنة لاستثمارها.

لن ينظر العامل او المستفيد من قانون الضمان الاجتماعي لتعديل بند قانوني هنا وهناك اذا لم يكن يثق بالقائمين على الضمان وبمجلس إدارته ولن يتم تمرير أنه تم عمل نقاش مفتوح لكل الناس دون ان يتم ذلك فعلاً.

الدخول في محاولة تطبيق هذا القانون سيكون زلزالاً جديدا تواجهه هذه الحكومة ولن يضمن أحد تفاعلاته، ولن يكون هناك مجال لأحد أن يسمع الاسطوانة المشروخة من القيادات حول التلفظ بالاتهامات بأن هناك أجندات لهذه الفعاليات أو اتهامها بأنها مسيسة، لأن المشاركين فيها سيكون كل الشعب وليس شخصاً أو اثنين او قطاعاً هنا وهناك، فمن هو المستشار الذي يسعى لصب الزيت على النار في ظل واقع مشتعل أصلاً؟

من يرغب في نصيحة القيادة حول الأمور الملحة، فالامور الضرورية والطارئة هي التغيرات الجوهرية في الوجوه الكالحة، واحترام الحريات، ومحاربة الفساد، وإجراء الانتخابات، وليس الضمان الاجتماعي.

هذه السطور ليست للقول إننا لا نحتاج الضمان الاجتماعي، بالعكس، بل هي لعدم الايمان بعدالة وصدق النية لتنفيذه، فعلى أصحاب القرار في الحكومة التوقف عن اشغال الناس بمشاكل جديدة، والتركيز على بند واحد ووحيد: تعزيز صمود الناس على أرضهم بشتى الطرق، في ظل انغلاق كافة الطرق والمسارات الأخرى.