كتب رئيس تحرير صدى نيوز: لمّا كان الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عن البلديات وجباية الضرائب وعن كل صغيرة وكبيرة في البلاد، أي قبل قدوم السلطة الفلسطينية، كان للإضرابات التجارية معناها الكبير، وزخمها، بل ورعبها الذي يحاول الاحتلال جاهداً الهروب منه ومنعه، فكل محلٍّ كان يُغلق كان معناه خسارة لخزينة تل أبيب.

المقاومة بعدة أشكالها مشروعة لمواجهة الاحتلال وخدمة للهدف الأساسي التحرر والاستقلال، وأي فعل مقاوم غالبا يكون له هدف واحد هو إلحاق الضرر بدولة الاحتلال، وكما كان يقال "البندقية غير المسيسة قاطعة طريق" والعمل غير المدروس له آثار سلبية على الشعب والمجتمع الفلسطيني وأحيانا يخدم الاحتلال.

عرف الفلسطينيون نقطة الضعف هذه والتي كانت تعد شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية، فكان كل احتجاج فلسطيني يصحبه إضراب تجاري، كل شهيد يرتقي يرد به الفلسطينيون بجلد وضرب خزينة إسرائيل، وقبل ذلك بسنوات من ولادة المسخ "إسرائيل" على أراضي الفلسطينيين ودمهم، جرّب الفلسطينيون هذا "السوط" ضد بريطانيا العظمى في إضراب الشهور الستة عام 1936، ذلك الإضراب الذي نغص على الانتداب عيشته، وأزاح النوم عن عينيه، لتتدخل قوى إقليمية وعربية لدفع الفلسطينيين على إيقافه.

كان الإضراب في ذلك الوقت معناه أن من يمتلك القرار على الأرض هم قيادة الثورة وقيادة الانتفاضة وليس جيش الاحتلال والإدارة المدنية، وكانت هناك قيادة تتابع عن كثب أي خلل أو ضرر على الشعب الفلسطيني وتعالجه ويكون بقرار جماعي بعد اجتماعات متواصلة يتم فيها أخذ آراء المفاصل الشعبية والفصائل العاملة على الأرض.

لكن، هل ظل الحال على ما هو عليه؟ وهل الإضرابات التجارية اليوم في المدن والقرى الفلسطينية تؤذي إسرائيل؟ الجواب الأكيد لا، والضرر الأول والأخير الاقتصاد الفلسطيني، دون أي فائدة تعود على العمل النضالي، فالمضربون لم يشاركوا في مقاومة شعبية مثلاً، ولم تعقد المؤتمرات الوطنية الشعبية للتعبئة والتثقيف الوطني، أي أن وقت الإضراب لم يُستغل، فإضافة للخسارة الاقتصادية هناك خسارة للوقت.
ربُما يقول قائل إن الشهداء يستحقون منا الحداد، نعم صحيح، يستحقون أكثر من الحداد، ولا يعني الحداد إضراباً، كذلك فالشهداء الذين ارتقوا في سبيل فلسطين لا يريدون أذيّتها وأذية اقتصادها، واستمرار دوران العجلة الاقتصادية مقاومة أيضاً، وليس معناها أن الناس يتناسون الشهداء!

بسبب الإضراب التجاري ستُغلق محلات وأحيانا شركات وتزيد نسبة البطالة وستنخفض جباية الضرائب، كذلك فالإضراب الذي يمتد للمدارس سيتضرر منه التعليم.

الشهداء أغلى منا جميعا ومن شركاتنا ومن رزقنا ولكن هل الإضراب التجاري سيخدم من استشهدوا؟ وهل يخدم رسالتهم التي استشهدوا من اجلها؟! بالتأكيد لا، ولكن لا مانع أن تقوم جهات وطنية ولجان متخصصة بتقييم جدوى الإضرابات التجارية المتكررة، وماذا تخدم وهل علينا الاستمرار بها أم وقفها.