كتب رئيس التحرير: غاب صريرُ الأقلامِ والطباشير، وعلت كلمات التشكيك والتخوين والاتهام بالأجندات، آلاف الحصص الدراسية ضاعت، مئات الساعات الصفيّة هُدرت خلال شهرٍ تقريباً على إضراب المعلمين الذينَ لا يطلبون "لبن العصفور" أو تحقيق معجزة، شُهرٌ لم يكن كفيلاً لإنهاء "الإضراب الخطير" الذي لا ضحية له سوى الطلبة، والطلبة فقط!

شهرٌ بأيامه ولياليه مرًّ دون حل أو حتى بوادر للحل، ما يشير إلى أن الأزمة قد تطول، وأن الخسائر ستكون أفدح وأعظم وأقسى، فما الذي تنتظره الحكومة والمسؤولين ومؤسسات المجتمع المدني؟ 

لا يوجد طريق لحل الأزمات سوى بالعقل والحكمة، أما إغلاق الأبواب وادعاء "الطرش" فإنه لم يحل يوماً أزمة، وفي ملف إضراب المعلمين فُقدت الحكمة وغاب العقل، لذلك فإن القادم مجهول ومظلم، ومخيف أيضاً.

كان يجب على الحكومة -التي علمت بالإضراب قبل وقوعه بأشهر- أن تحاول حل الأزمة قبل وقوعها، وأن تخاطب الشارع قبل أن يثور ضدها، وأن تحقق مطالب المعلمين التي لا يختلف أحد على أحقيتها وعدالتها، بل وسهولة تحقيقها وتنفيذها.

لنكون واقعيين، ولا ننثر كلاماً في الهواء، فإن علينا وضع يدنا على مكمن الخلل وسببه، لمحاولة وضع تصور للتصويب وإصلاح الخلل، لذلك يُمكن أن تكون هذه الكلمات قاسية، فالدواء مُر لكنّ فيه علاجاً وصحة.

في قراءة لواقع إضراب المعلمين، يبدو أن إحدى الرهانات كانت على إثارة الشارع الفلسطيني ضد المعلمين المضربين، وهو ما لم تنجح به الحكومة، فالشارع غاضب على الحكومة قبل الإضراب وسيظل غاضباً بعده إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، موظفون غاضبون بسبب الرواتب المنقوصة في ظل اختفاء لأي إجراء ظاهري للتقشف، ارتفاع للأسعار، وغلاء معيشي، ولا قرارات لضبط السوق، واقع مهيأ جداً لأن ينتقد الشارع الحكومة وأن لا يقف معها!

لم تنجح الحكومة حتى اليوم في إقناع المواطنين أنها تمر في أزمة مالية، المواطن العادي لا يرى إلا ما يشاهده أمامه، فهو يرى مواكب الوزراء والسيارات حديثة الطراز، يرى السفريات والتعيينات والترقيات، فكيف نريد منه أن يقتنع بالأزمة المالية؟

في ظل هذا المشهد المعقد يأتي إضراب المعلمين ليطالبوا بحقوق مشروعة، فحاز إضرابهم على موافقة ورضا أهالي الطلبة الذين خرجوا في محافظة الخليل مثلاً مؤيدين وواقفين إلى جانب المعلمين في مطالبهم!

لقد انقسمت الصورة إلى جزأين: الحكومة من جهة، وجزء كبير من الشارع والنقابات والمعلمين ومؤسسات مجتمع مدني من جهة أخرى، فما الحل؟ وكيف نُخرج الحجر من البئر؟

يطالب المعلمون بتنفيذ الاتفاقية الموقعة مع الحكومة والتي تنص على دفع 15% علاوة لهم مع بداية العام 2023 و5% مع بداية العام 2024، حيث قبل المعلمون -الذين لا يعترفون بنقابتهم مطالبين بتشكيل أخرى ديموقراطية- أن يتم إدراج هذه العلاوة على استمارة الراتب تدفع في حال توفرت الأموال، كذلك يطالبون بالسماح لهم بانتخاب نقابة ديموقراطية تمثلهم. الحكومة رفضت إدراج نسبة العلاوة في استمارة الراتب، قائلة إنها ستنفذ الاتفاق حال توفرت الأموال.

نحن أمام كارثة تمس الواقع التعليمي في فلسطين وهذا يتطلب أن يتحمل كل طرف مسؤوليته للعلاج السريع اللازمة، بل ومطلوب من الفصائل وأعضاء اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح باعتبارها الحزب الحاكم فرض حل على الطرفين يتعامل مع الواقع والإمكانات المتاحة وعدم ترك الأمور حتى تحدث الكارثة.

إن قيام الحكومة بإضافة العلاوة على استمارة الراتب للمعلمين تدفع في حال توفر الأموال بحيث لا يحدث ذلك أي اضافة على فاتورة الرواتب خلال الأزمة المالية واستمرار القرصنة الإسرائيلية لأموال الضرائب، وتبني الرئيس محمود عباس أو اللجنة التنفيذية أو اللجنة المركزية لحركة فتح إجراء الانتخابات الديمقراطية لاختيار جسم حقيقي يمثل المعلمين محدد بتاريخ قريب يراعي الفترة الحقيقية والضرورية التي تحتاجها اللجان لانجاز ذلك، وإعلان المعلمين انتهاء الإضراب والعودة لمدارسهم، هي خطوط عريضة لمبادرة قد تُنهي هذا الملف المتأزّم، نضعها بين يدي من يريد الحل.

هل ستعود الحياة للمدارس المهجورة قريبا؟ نأمل ذلك، لتقليص نسبة الفاقد التعليمي، وتخفيف آثار الأزمة.