منذ اليوم الأول الذي فازت فيه ‏دولة قطر الشقيقة بقرعة ‏المونديال، ثارت حملة شرسة ‏ضد هذا الاقتحام القطري ‏العربي لقلعة تكرست للغرب ‏وتابعيه، الا من بعض ‏استثناءات.‏

منذ ذلك اليوم وعلى مدى ‏سنوات خاضت قطر معركة ‏طويلة للدفاع عن جدارتها ‏باستضافة اهم فعاليات العصر، ‏ومع ان تنظيمها للمونديال ‏يسجل كحدث مميز، الا ان ‏شراسة الهجوم عليها ‏وصمودها وتصميمها على ‏النجاح، عزز مكانة الدولة ‏صغيرة المساحة وعدد السكان، ‏الا انها ومهما اختلف معها ‏تظل كبيرة الدور والطموح ‏والحضور.‏

المونديال العربي كانت السياسة ‏حاضرة فيه من خلال حضور ‏رئيس القمة العربية، وكذلك من ‏خلال المصافحة التي انتبه لها ‏العالم ولما سيليها من تطور في ‏العلاقة بين الدولتين الكبيرتين ‏مصر وتركيا.‏

مصافحة رئيسي البلدين الذين ‏لا مبرر للاختلاف بينهما ‏لدرجة العداء وتبادل الحملات، ‏وكأنهما في حالة حرب، هذه ‏المصافحة بين السيسي ‏واردوغان لم تكن مصافحة ‏بروتوكولية بل هي تجاوز ‏ماض سلبي نحو حاضر ‏ومستقبل إيجابي، فالبلدان ‏الشقيقان والشعبان المتداخلان ‏في الجذور والثقافة والمصالح ‏ينبغي ان يودعا العداء ‏والقطيعة، فلا شعبيهما ولا ‏دولتيهما ولا المنطقة تحتمل ‏هذا الوضع الذي يبدو شاذا ‏وفق كل الحسابات.‏

الرياضة صاحبة المكانة الأولى ‏في الاجماع الشعبي الكوني ‏وصاحبة الاستحواذ شبه ‏المطلق على اهتمامات مليارات ‏البشر من كل الثقافات ‏والجنسيات والاعراق، ظهرت ‏في المونديال الحالي كعنوان ‏للقدرة على امتاع البشر بابهار ‏تجلت فيه اللمسات الإبداعية ‏في انجاز البنى التحتية من ‏منشآت حديثة وجماليات ‏الافتتاح الذي انبهر كل من ‏شاهده، ثم ان للمونديال وظيفة ‏إنسانية في غاية الفاعلية ‏والتأثير والرقي، ذلك ان ‏المليارات التي تتابع على مدى ‏شهر المباريات المثيرة بين اهم ‏الفرق العالمية، تبدو كما لو انها ‏تستمتع باجازة تجيء في وقتها، ‏تهرب اليها من اهوال الحروب ‏التي تجتاح الكوكب بصور ‏مختلفة، وتملأ نفوس البشر ‏بالخوف من الحاضر والرعب ‏على المستقبل، حدث ان اكثر ‏من مونديال تزامن مع حرب ‏ساخنة.. مثلا كان المقاتلون ‏المتمترسون وراء الخنادق في ‏بيروت يتناوبون الحراسة مع ‏مشاهدة المباريات، وحين ‏فازت إيطاليا الصديقة بالبطولة ‏لم تنطلق زخات رصاص نحو ‏اهداف آدمية بل في الفضاء ‏احتفالا.‏

فهل يهدىء مونديال قطر ‏نفوس الناس ولو الى حين، ‏ليدخلوا الشتاء الواعد بالبرد ‏ونقص الغذاء ببعض امل ‏عنوانه قول محمود دوريش .. ‏على هذه الأرض ما يستحق ‏الحياة.‏

نحن هنا في فلسطين ورغم ‏هول الاحتلال الوحيد المتبقي ‏على مستوى العالم كله، ورغم ‏الجنازات اليومية التي نشيع بها ‏اعز الأبناء ما زال في قلوبنا ‏متسع للرغبة في الحياة وفي ‏روحنا شغف بالجمال وفي ‏مجتمعنا ولع بالرياضة، ولعل ‏ذلك كله ما يوفر الحماية ‏العميقة لصمودنا "المونديالي ‏المبهر" على ارض وطننا ‏والذي يغذي كفاحنا العادل من ‏اجل الحرية والاستقلال.‏