بعد الخطاب التاريخي للرئيس المؤسس أبو عمار بتاريخ ١٣ تشرين الثاني أمام الجمعية العامة عندما ردد كلماته "جئتكم احمل غصن الزيتون في يدي والبندقية باليد الأخرى فلا تُسقطوا غصن الزيتون من يدي" . حيث يصادف اليوم الثلاثاء الثاني والعشرين من تشرين الثاني ، مرور 48 عاماً على تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني ، وحصلت المنظمة على صفة مراقب في الأمم المتحدة كـ ”حركة تحرر وطني”.

 ففي مثل هذا اليوم 22 تشرين ثاني 1974، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3236 بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة على ارضه المحتلة.

كما اعترف القرار بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وتم منحها مركز مراقب في الأمم المتحدة.

ولاحقا تبنت الأمم المتحدة تسمية "فلسطين" لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988 اعترافاً بإعلان الاستقلال الفلسطيني.

يُذكر هنا وللتاريخ الدور الهام والكبير الذي لعبته جماهير شعبنا الفلسطيني بالأرض المحتلة من خلال الدور القيادي للجبهة الوطنية ( ذراع منظمة التحرير بالأرض المحتلة انذاك ) والنقابات المهنية والعمالية والاتحادات الشبابية والنسوية والطلبة في تصعيد الكفاح الوطني ضد الأحتلال من خلال تمسكها بالمنظمة ، فعملت على جمع العرائض التي وُجهت للأمين العام للأمم المتحدة والدول العربية والصديقة من أجل الوصول إلى هذا القرار ، تكاملا مع كفاح منظمة التحرير خارج الأرض المحتلة ، ومع نضال الجزء القابض على الجمر من شعبنا داخل الخط الأخضر الذي يخوض كفاحا معقدا من أجل الوجود والحقوق ، هذا الجزء الاصيل الذي اطلق يوم الأرض الخالد في تلك الأيام ورفع شعار الأرض هي الهوية . 

كانت مرحلة كفاح شعبي هادر مهددت لانتصار قوائم الكتل الوطنية عام ١٩٧٦ في كافة المدن والقرى ضد مشروع الحكم الذاتي المشبوه والادارة المدنية انذاك ، من أجل الحرية والاستقلال الوطني والدولة وعاصمتها القدس . موجات من الكفاح الوطني مهدت لانطلاق انتفاضة الحجارة الكبرى ضد استمرار الاحتلال الاستيطاني ، ارتقى فيها الشهداء ليلتحقوا بقافلة من سبقوهم منذ انطلاقة الثورة المعاصرة . اُبعِد العديد من القيادات الوطنية وزج بالعديد في معتقلات الاحتلال لينضموا إلى جموع مقاتلي الحرية منذ بداية الاحتلال. 

كان التفاف الجماهير كبيرا حول القيادة الوطنية الموحدة للأنتفاضة وشُكلت اللجان الشعبية ولجان الأحياء والدفاع عن الأراضي ، وتحققت أشكال من العصيان المدني ضد الأحتلال والمواجهات والأشتباكات اليومية مع قطعان الأحتلال والمستوطنين كما عمت المظاهرات الجماهيرية والاضرابات التجارية وقطع الطرق ، ونجحت افكار الاقتصاد المحلي المقاوم حينها ، وأصبحت حكومة الاحتلال عاجزة عن قتل الفكرة رغم توحش اساليبهم . 

كانت مرحلة كفاحية هامة استحوذت على اهتمام المجتمع الدولي وشعوب العالم عُزلت فيها سياسات دولة الأحتلال ، وأصبحت كلمة الانتفاضة مرادفا جديدا يدخل القاموس لدى شعوب العالم ، فقادت إلى اعلان وثيقة الاستقلال في ١٥ تشرين ثاني عام ١٩٨٨ ومن ثم ادت الى انصياع المجتمع الدولي والدعوة لمؤتمر مدريد للسلام برعاية اممية كانت اعمدتها الأتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في حينه ، بمشاركة وفد فلسطيني أردني تحت مظلة واحدة برئاسة عبد السلام المجالي وحيدر عبد الشافي . 

لقد أصر النظام الفاشي العنصري لدولة الأحتلال ومنذ ذلك التاريخ على إسقاط غصن الزيتون الذي حمله الخالد أبا عمار بعد أن كانوا قد نفذوا الجرائم المتراكمة منذ النكبة عام ١٩٤٨ ، فعملت الحركة الصهيونية على ذلك بشكل ممنهج من خلال سياسات حظيت بمساندة الولايات المتحدة راعية فكر الاستعمار ، من أجل استمرار قهر شعبنا وتجاهل مبداء حق تقرير المصير الذي اقرته الأمم المتحدة كما القانون الدولي لشعبنا وشعوب الأرض ، ومحاولات إنهاء التراث التاريخي الثوري الوطني لمنظمة التحرير التي نحتاج اليوم إلى تصعيد دورها الكفاحي كمرجعية للقرار الوطني المستقل وكبيت جامع للكل الفلسطيني . 

ورغم ما حمله اعلان وثيقة الاستقلال وقرار هيئة الأمم المتحدة من فتح آفاق لعملية سياسية تقود إلى سلام عادل وثابت وقبول منظمة التحرير بالإجماع الدولي بخصوص مبداء حل الدولتين على حدود ما قبل الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ وحل قضية اللاجئين وفق القرار الأممي ١٩٤ ، الا ان الحركة الصهيونية التي اعتبرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في مساواة العنصرية ( قبل العودة عن هذا القرار بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من متغيرات دولية ) عملت على افشال حتى هذا المبداء واعتبرته انتقاصاً من حقها الديني القومي المزعوم ، بل وينهي وعد بلفور الذي أعطى الحق لما سُمي بالشعب اليهودي بإقامة دولته على حساب حقوق شعبنا صاحب الأرض الأصلي من خلال ما ارتكبه المُستعمر من جرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري في كل اراضي فلسطين التاريخية بل وبالشتات أيضا. 

لكن مَن يدخل من باب الجرائم ، سيخرج من باب الإنتقام والعقاب ودفع الثمن . هنالك فقط مسار وحيد للأمن والأستقرار يتمثل بإنهاء الأحتلال والقهر ، والاقرار بحقوق الشعوب وبالمقدمة منها شعبنا الفلسطيني في حريتها وتقرير المصير وحقها بالعيش بأمن وسلام دون اضطهاد .

وهنا أكرر ما قاله ماركس أحد مفكرين العصر الحديث ، " أن مَن يضطهدُ شعباً اَخر لا يمكن أن يكون هو نفسه حراً ".

احتياجات الشعوب للحرية والتقدم والسلام لا يمكن تجاهلها مهما طال الزمن ، فهذه حتمية مسار التاريخ ، ولذلك الوقت يوم قريب لنا ننعم به بحلم الشهداء منا والاحياء.