كتب رئيس التحرير: عملت ماكينة الإعلام الإسرائيلية على ضخ كم كبير من التحذيرات الصادرة عن المستوى الأمني في دولة الاحتلال حول هجمات متوقعة خلال فترة الأعياد اليهودية، وهو ما رفع وتيرة التأهب في المجتمع الإسرائيلي، وخلق قابلية لدى الوسط اليهودي لأي اقتحامات أو عمليات عسكرية ضد المدن الفلسطينية بدعوى "حفظ الأمن لليهود"، و"إفشال مخططات لعمليات متوقعة".

مرت الأعياد اليهودية دون تحقق ما توقعته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في الوقت ذاته، كثفت تلك الأجهزة من اقتحامها للمدن الفلسطينية واغتيالها للشبان والأطفال، وآخر تلك الجرائم ما ارتُكب في جنين، حيث ارتقى 4 شهداء خلال 4 ساعات من الاقتحام.

القتل الإسرائيلي مستمر للأطفال والنساء والإعدام الميداني للشباب بدم بارد، وأمام  كاميرات العالم، كل ذلك في الوقت الذي خرج فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الأمم المتحدة متحدثاً عن حل الدولتين والسلام، وعن معاناة ابنته من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحزنه لأنها سمعت صوت إطلاق النار أو صوت صاروخ يمر من المنطقة وفي نفس اليوم يقتل 68 طفلاً في قطاع غزة ثم يجتاح المدن ويرعب ويقتل أطفال نابلس وجنين.

هناك خطاب للعالم، وهنا خطاب للداخل الإسرائيلي، ولكن الظاهر من هذه السياسة أنها إشعال للساحة مع الفلسطينيين وإعلان حرب على كل مبادرات السلام بل وتغيير في الواقع على الأرض لقتل أي احتمال لحل الدولتين من خلال استيطان مستمر بكل مناطق الضفة الغربية والقدس.

لابيد كذب ويكذب على العالم ويكذب على شعبه حتى عندما يحذرهم من الهجمات، هو يريد لشعبه أن يظل خائفاً من عدو ما، ليحافظ على استقرار حكومته، وليبرر كل جرائمه بحق الفلسطينيين.

لابيد يدرك جيداً أن اقتحامات المدن الفلسطينية واغتيال الشبان لن يوقف العمليات ضد إسرائيل، وأن كل جريمة ستولد رد فعل بالضرورة، لكنه ومع ذلك يستمر في تنفيذ سياسات حكومته لإعدام أي فرصة للسلام.

يعلم لابيد كذلك أن الدم الفلسطيني هو مادته الأساسية بل والوحيدة لجمع أصوات الناخبين الإسرائيليين في مجتمع يهودي متطرف، وانه بذلك يتفوق على اليمين الإسرائيلي، وكأنه ينافس خصومه في من يكون أشد تطرفاً ودموية وبطشاً.

الحكومة الإسرائيلية تدرك أن ممارساتها واقتحاماتها تضعف بل وتنهي دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبالتالي ستنهي وجود السلطة الفلسطينية، وهذا يؤكد أن توجه إسرائيل أظهار هذا الضعف للعالم لأجل إعادة احتلال الضفة الغربية وإعدام أي فرص للسلام، وان هذه الفرصة سانحة في ظل انشغال العالم في الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها الاقتصادية على كل فرد في هذا العالم، ولن يلتفت العالم لما يقوم به الاحتلال من مجازر.

إسرائيل ذاهبة باتجاه الاستمرار في إعلان الحرب على ما كل هو فلسطيني، وقتل أي أمل بالحلول السلمية والعمل على كل ما يغذي التطرف في المنطقة، إيمانا منهم أن تل أبيب حاليا متفوقة على أي ظاهرة تخرج في ظل التطبيع العربي معهم وانحياز دولي لصالح التغطية على جرائمهم، وعدم وجود أي جهات إقليمية أو دولية تضغط على إسرائيل لوقف جرائمها.

كل ذلك معلوم علم اليقين، لكن كيف رد أو سيرد الفلسطينيون على هذه المخططات الواضحة وضوح الشمس؟ 

الكل ينتظر ما هي البرامج السياسية للفصائل الفلسطينية التي تواجه هذا التغول الإسرائيلي، فمن غير المقبول وطنيا أن تبقى حالة الانقسام والتشرذم بين حماس وفتح وبين فصائل منظمة التحرير.

هل التحرك الدبلوماسي للسلطة الوطنية الفلسطينية والانتشار عربيا ودوليا لفضح جرائم الاحتلال وبرامجه، والتوجه لمحكمة الجنايات أصبح هو الخيار الأمثل لمواجهة إسرائيل؟ أم أنها تحركات الضعيف الذي لا حول ولا قوة له ولم يعد يملك أي شيء لمواجهة عدوه؟ 

مشروعة السلطة الفلسطينية سيبقى مشروع سلطة أو أقل في ظل هذا الواقع المرير، ولن ينمو إذا استمر الحال على ما هو عليه ليكون بذرة دولة!