يرتفع منسوب القلق الإسرائيلي من التصعيد في الضفة بما في ذلك القدس، كلما اقتربت الأعياد اليهودية، وبفعل ذلك تجري أوسع حملة امنية ودعائية لاحتواء الموقف وجعل الأعياد تمر بأقل قدر من التصعيد.
المتدخلون في الامر من كل الجنسيات حتى الامريكية، نصحوا الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن الاجتياحات المستمرة وواسعة النطاق والدامية، لعل هذا التوقف يؤدي ولو بصورة مؤقتة الى نزع فتيل التصعيد، وبلوغ درجة من الهدوء من شأنها دعم السلطة الفلسطينية المحرجة من الاجتياحات التي تظهرها بمظهر العاجز عن فعل شيء، وكذلك تمرير الفترة الانتخابية شديدة الحرارة في هذا الموسم بالذات، بقدر كاف من الهدوء.
بشأن الاجتياحات فقد اظهر لبيد وهو المنافس الأول – حتى الان- على رئاسة الحكومة تصميما على مواصلة العمل في مناطق السلطة لما وصفه باجتثاث الخطر الذي يجسده المقاومون الفلسطينيون حيثما وجدوا، وهنا لا يخلو الامر من توزيع أدوار مع حليفه ومنافسه في ذات الوقت غانتس، الذي يتحدث بلغة اكثر اعتدالا بما في ذلك تسويق فكرة ان لا اجتياحات شاملة للضفة مع بعض تلميحات سياسية حول حتمية التعايش مع الفلسطينيين وعدم رغبة إسرائيل في مواصلة حكم شعب آخر دون ان يصل اغداقه الكلامي حد الإشارة الى الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني واحد عناوينها دولة مستقلة.
لبيد توجه الى نيويورك لالقاء الخطاب الأول له وربما يكون الأخير، امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونظرا لتزامن الخطاب مع الموسم الانتخابي الحار في إسرائيل، فسوف يكون دعائيا بامتياز وموجها لجمهور الناخبين قبل أي جمهور آخر.
لبيد الذي اظهر قدرة على استخدام العصا الغليظة في حربه الأخيرة على غزة، يسعى الى الاحتفاظ بعصاه في الضفة ولكن هذه المرة مغلفة بديبلوماسية مساعدة وقبلته في هذا المسعى الأردن.
حسب المصادر الإسرائيلية لبيد يريد أولا الحصول على اجتماع مع العاهل الأردني، عبد الله الثاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة ومطلبه من هذا الاجتماع ان يحظى بمساعدة اردنية للتهدئة في القدس والضفة، طالبا كذلك جهودا اردنية تبذل مع السلطة كي تمارس دورها كما يرغب في ضبط المسلحين وخصوصا في جنين ونابلس، وفي أي مكان يظهر منه ما يوصف بالتهديد الأمني لإسرائيل حتى لو كان بحجم سكين او مقص خياطة وما فوق.
كل ما يقول ويفعل لبيد يبدو غير واقعي وحتى غير منطقي، فحين يتحدث عن مناطق السلطة فهو يتجاهل انه الغى هذه المناطق تماما والغى الوجود الفعلي للسلطة فيها ليس فقط في جنين ونابلس، وانما في رام الله والمقاطعة بالذات، اليس جنود لبيد من وضعوا الشمع الأحمر على أبواب مؤسسات فلسطينية لا تبعد مرمى حجر عن المقاطعة بما يجسده ذلك من الغاء لوجود وهيبة السلطة او ما تبقى منها.
وحين يتحدث عن طلب سيتقدم به للعاهل الأردني كي يمارس ضغطا على السلطة من اجل التهدئة في الضفة والقدس، الا يدرك لبيد ان للعاهل الأردني سياسة يتجاهلها هو بل ويعمل ضدها، وللتذكير فالعاهل الأردني لا يرى هدوءا دائما واستقرارا حقيقيا دون فتح افق سياسي مقنع وفعال، يفضي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت في العام 1967 ومنها القدس الشرقية فأين لبيد من هذه السياسية.
حكاية إسرائيل مع الامن والتهدئة والتصعيد ليست حكاية مسكنات مؤقتة تطلب من السلطة او الأردن او أي بلد آخر انها حكاية مزمنة واعمق من ذلك بكثير وإسرائيل تعرف وان كانت تتجاهل استحالة الغائها او استبدالها او تزويرها فهي حكاية مصير شعب لن يرضى بغير الحرية والاستقلال وما دامت إسرائيل ترفض ذلك وتطرح بدائل ساذجة عنه فليس امامها الا ان تواصل ملاحقة الظلال بلا جدوى وطلب الدعم ممن لا يستطيعون فعل شيء من اجلها.