كتب رئيس التحرير: تل أبيب التي أوجعتها ضربات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية من جنين إلى الخليل رداً على عدوانها وإعداماتها الميدانية تحاول بكل السبل خلط الأوراق الفلسطينية، لإلهاء الفلسطينيين ببعضهم، ولجر رصاص المقاومة ليتجه إلى ساق المقاوم نفسه!

بداية، لم يكن تكثيف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على محافظات الضفة الغربية وبالأخص نابلس وجنين سوى دعاية انتخابية لمن يجلسون اليوم على كراسي الحكم في تل أبيب، فالدم الفلسطيني لدى السياسي الإسرائيلي هو رهان رابح على الفوز بأي انتخابات مقبلة، إلا أن هذه الدعاية لم تكن مجانية للاحتلال، حيث ردت المقاومة على اعتداءاته وأوقعت في صفوف جيشه قتيلاً قبل أيام، عدا عن الإصابات وعدد العمليات التي نفذت.

كان المخرج لهذه الورطة الإسرائيلية إما باجتياح شامل لشمال الضفة الغربية للقضاء على جيوب المقاومة، أو بدفع الفلسطينيين للاشتباك الداخلي، أي اشتباك ما بين الأمن الفلسطيني الذي وصف إسرائيلياً بالضعيف وبالذي يقف متفرجاً على ما يحصل، وما بين الشبان المسلحين الذين كانوا كالشوكة تحت إبط جنود الاحتلال.

تدرك إسرائيل جيداً أن ثمن أية مواجهة ميدانية أو اجتياح للمدن والمخيمات الفلسطينية عالٍ جداً، لذلك فقد اتخذت قراراً باستخدام الطائرات المسيرة لقصف أماكن تواجد المقاومين لتخيف الضرر الميداني على جنودها، فكان الحل بالخيار الثاني وهو إخماد النار الفلسطينية بنار فلسطينية أخرى.

المستوى الرسمي الفلسطيني الذي يحاصر مالياً وسياسياً تجنب في ظل موجة الاجتياحات والقتل الإسرائيلي إحداث أي صدام مع الخلايا المسلحة في مختلف مدن الضفة الغربية، كذلك فعلت الخلايا المسلحة التي التزمت كذلك بعدم التصادم مع قوى الأمن، فاختفت عن الأخبار فيديوهات إطلاق النار على المقرات الأمنية في جنين ونابلس، والتي كانت أخباراً اعتيادية ومتكررة.

كان تبرير المستوى الرسمي الفلسطيني لهذا التغاضي عن السلاح في الشارع بأن الاحتلال الإسرائيلي الذي يقتحم المدن والمخيمات ويغتال الشبان لن يجد قوى أمنية فلسطينية تنظف الساحة خلفه بعد انسحابه، فطلب الفلسطينيون أن يُمكنوا من ضبط الأمن دون اجتياحات واغتيالات، إلا أن قرار اعتقال المطارد مصعب اشتية في نابلس خلط كل هذه المعادلة، وحقق للاحتلال الإسرائيلي خطتها للتخلص من وجع الرأس الذي يسببه المقاومون.

تسبب قرار اعتقال الأمن الفلسطيني المطارد اشتية بموجة غضب كبيرة في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، وبالأخص في مدينة نابلس التي اعتقل منها اشتية، فتحولت شوارع المدينة إلى ساحات مواجهة بالرصاص وبالحجارة ضد قوى الأمن، وسقط شهيد بالرصاص عدا عن الإصابات وتدمير الممتلكات العامة.

كانت الصورة التي تبث من نابلس جرعة مورفين لصناع القرار على المستوى الأمني الإسرائيلي، فنابلس التي أرقت وحدات النخبة في جيش الاحتلال ها هي تستنزف نفسها داخلياً، والرصاص الذي كان المقاومون يعدونه رصاصة رصاصة حتى يحتفطوا به لمواجهة أي اقتحام ها هو يطلق على مركبات الأمن الفلسطيني! 

قرار الأمن الفلسطيني باعتقال اشتية ورفيقه أحدث أزمة وصدمة في الشارع، وسمح للمحظور أن يقع، وللدم الفلسطيني أن ينزف، لكن، إذا كان المستوى الأمني الفلسطيني قرر "ضبط" الشارع حتى لا يترك ذريعة للاقتحامات الإسرائيلية، هل سترد تل أبيب على هذه الخطوة بخطوة مشابهة لضبط قطعان المستوطنين واعتداءاتهم على المواطنين، ووقف الاعتقالات والاقتحامات والقتل؟

 يجب التوقف مطولا أمام خطورة ما يحدث في نابلس، وأن يوقف التدهور الحاصل هناك قبل تصاعده وانتقاله لمحافظات أخرى، وعلى السلطة الالتزام السريع بما أوصت به الفصائل في نابلس بإطلاق سراح كل من مصعب اشتية وعميد طبيله واعتماد المواطن فراس يعيش شهيداً وفتح تحقيق بأسباب إصابته ومحاسبة من تسبب في ذلك، واعتبار الاعتقال السياسي جريمة واجب تجنبها في ظل هذا الواقع المغلق سياسيا واقتصاديا، وعلى المحتجين عدم تجاوز الخطوط الحمر بإطلاق الرصاص صوب إخوتهم أبناء الأجهزة الأمنية أو تدمير الممتلكات العامة، وإعادة البوصلة والمواجه باتجاه الاحتلال فقط.

على القيادة الفلسطينية استخدام ورقة المقاومين لتحقيق إنجاز سياسي على الأرض يرضي الشعب والشبان الذين يحملون السلاح، فإسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات الموقعة، ولم تقدم أي حل سياسي، بل إنها في كل يوم تتوغل أكثر على الحقوق الفلسطينية، فلماذا نتفق معها على ما يرضيها دون أي شيء يقدم لنا؟

على القيادة الفلسطينية قلب السحر على الساحر الاسرائيلي من خلال مبادلة إسرائيل بنفس النهج، وعدم الالتزام بأي اتفاق لا تلتزم به إسرائيل، والاستمرار بفضح جرائمها امام العالم، يجب أن لا تعود الأجهزة الامنية الفلسطينية لممارسة دورها وفق الاتفاقات إلا بتنفيذ الاحتلال لها كاملة، ومن المرفوض أن يكون مقابل قمع المقاومة الإفراج فقط عن الأموال بل ثمن سياسي ملموس يعطي الأمل بإقامة دولة فلسطين على الأرض المحتلة عام 1967.