كتب رئيس التحرير: وتكرر العناق بين الأخوة المنقسمين في العاصمة الجزائرية، بعد عناقات في الرياض والقاهرة والدوحة وعواصم أخرى، عناقات لم تصل إلى حد الإمساك باليد للنهاية، فبعد انتهاء اللقاءات يستمر الكل في طريق بعيد عن الآخر!

بالنسبة للفلسطينيين فإن مثل هذه اللقاءات ما عادت تحرك شيئاً في داخله، ولا توقد شمعة أمل لإنهاء الانقسام، بل بات الجمهور الفلسطيني موقناً أن طريق الانقسام لا يزال طويلاً، وأن معجزة إلهية فقط هي من تستطيع تحقيق الوحدة الفلسطينية في ظل الظروف الحالية التي تشهد فيها حركتي حماس وفتح قطيعة عميقة، واختلافاً في النهج والتفكير والأهداف والوسائل!

معظم من دخلوا في الواسطات بين أطراف الانقسام الفلسطيني كان همهم قوة وتماسك الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كان هذا هو المحرك لهم دون أدنى شك، لكن الوسطاء لم يدخلوا في أعماق أسباب الانقسام الحقيقية والتي هي دون شك ليست خلافات حول الثوابت أو الأهداف بقدر ما هي خلاف حول السلطة والكرسي وفيها خلاف حول الحفاظ على المكتسبات الشخصية وفي بعضها خدمة لأجندات خارجية متحكمة بالقرار، وأسباب كثيرة كان من المهم بل والأهم فهمها من قبل الوسطاء بشكل عميق قبل أي لقاء أو اجتماع أو اتفاق بينهم، فشل الحوار في مكة وقطر والقاهرة وسوريا وروسيا فما الجديد حتى ينجح في الجزائر؟

من المهم أن يفهم الخيرون من العرب أن أهداف الإخوان المسلمين (حماس) تختلف عن أهداف حركة فتح، أي أن البرنامج السياسي لكل منهما بعيد كل البعد عن برنامج الآخر وهذا سبب جوهري، كذلك مصالح القيادات الآن وفق الواقع الجديد وما لديهم من مكتسبات معيق بل ومانع كبير لأي تفاهم أو اتفاق اذا لم يتم مراعاتها أو التهديد بزوالها، وبالتالي فإن أي جهد دون مراعاة لذلك سيفشل بكل تأكيد.

البند الآخر المهم فهمه قبل البدء بالحوارات أن تفاهم الطرفين يسبب إعاقة بل إلغاء لاتفاقيات وتفاهمات للطرف الآخر بمعنى أن منظمة التحرير التي ترأسها فتح والتي وقعت اتفاقيات دولية ومن ضمنها الاعتراف بإسرائيل وأن وجود السلطة أصبح مرتبطا بهذه الاتفاقيات واحترامها فإن دخول حماس على الخط دون احترامها سيسبب نكسة لهذا المشروع المدعوم دولياً وإقليميا حتى اللحظة، وكذلك حماس التي تتلقى الدعم لكونها ضمن محور معين له أهدافه ستخسر دعم هذا المحور في حال التوافق مع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالتالي فمن المؤكد ضمن المعطيات الحالية أن إتمام المصالحة غير ممكن بل ومستحيل، ودخول حماس للمنظمة دون احترامها للاتفاقيات الدولية والإقليمية سيتسبب بخسارة منظمة التحرير لمكتسباتها وإنجازاتها الدولية وبشكل محدد اعتراف الدول بها أو بدولة فلسطين كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

الجزائر لو دققت بهذه المعطيات لأدركت أن الأمور لم تنضج بعد، وأن المجاملات التي قام بها الطرفين للجزائر معروفة لكونها تحظى بتقدير عظيم للطرفين، ولكن رغم مكانتها لكلا الطرفين فإن الهوة أكبر بكثير من حب أطراف الانقسام للجزائر ومواقفها.

ما يتوقعه الفلسطينون بشأن إنجاز المصالحة لا تزيد نسبته عن صفر، ولكن ما يقلق الجميع غضب الجزائر ورئيسها من خذلانه وانعكاس ذلك على المواقف الثابتة والراسخة في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل أطيافه.

اجتماع الجزائر جاء في وقت غير مناسب وخاصة أنه قبل زيارة بايدن ولكنه هام لو دخلت حماس كشريك حقيقي لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية ووقفت جميع الأطراف الفلسطينية أمامه في برنامج مقبول دوليا، ويخدم القضية الفلسطينية وينزع من الأمريكان والإسرائيليين حجة غياب شريك فلسطيني يمثل بقرارته الكل الفلسطيني، فالحذر الحذر من أن نخسر الجزائر وأن يكون الانقسام الفلسطيني معدٍ كالفيروس، فيتسبب في انقسام عربي حول الأطراف الفلسطينية بل في خلاف مع الأصدقاء الاستراتيجيين مثل الجزائر، فقد جر الانقسام سابقا خلافاً مع دول مثل مصر وسوريا وقطر وحتى أنه نقل الانقسام بين فصائل منظمة التحرير،  ناهيك عن أنه حجة للكثير من الداعمين للقضية الفلسطينية والذين بمعظمهم قالوا: ادعموا بعضكم كأخوة قبل طلب دعم الآخرين لكم.