كتب رئيس التحرير: جامعة النجاح، جامعة الحصار والانتصار، صرح تعليمي تطور بشكل منتظم، وأضاف بصمات نوعية علمية ووطنية خلال مسيرة طويلة في ظل اقتحامات وحصار الاحتلال لها ولمدينة نابلس جبل النار، من هذا الصرح تخرج قادة في العمل الوطني أصحاب بصمات وأسماء مشهود لهم في ساحات العمل الوطني وفي مواقع متقدمة لمختلف الفصائل.

الاشتباكات الأخيرة بين الطلاب وأمن الجامعة والتي وثقتها الصور والفيديوهات والتي خلفت جرحى من الطلاب مست الحريات التي تم ترسيخها حتى في ظل الاحتلال، وهي حرمة الجامعات، أي أن اقتحامها أو الاعتداء على الطلبة فيها تجاوز خطير يجب الوقوف عنده ومعالجته بشكل فوري وحاسم.

مختلف الفصائل أدانت ما حدث وفي معظمها أدانت إدارة الجامعة التي أعطت الأمر لأفراد الأمن فيها لقمع اعتصام سلمي لطلاب الجامعة داخل حرمها، وهذا حق كفله القانون وأنظمة الجامعة وقوانينها، وخروج مجلس الأمناء للجامعة بقرارات لتشكيل لجنة تحقيق حول ما حدث لا يعالج الملف بل في ذلك تغطية على التجاوزات، وخاصة أن الجامعة وإدارتها وأمنها طرف رئيس في تلك الأحداث، وبالتالي من المهم أن تتشكل لجنة محايدة ومن شخصيات محايدة ووضع توصيات ملزمة التنفيذ لجميع الأطراف.

في عام 1995 اقتحمت الشرطة الفلسطينية جامعة النجاح، لكن الرئيس أبو عمار الذي اجتمع مع طلاب جامعة بيرزيت المحتجين على اقتحام جامعة النجاح استجاب لهم فورا، وفي صبيحة اليوم التالي توجه لزيارة جامعة النجاح واعتذر للطلاب وقيادات نابلس، وقال إن ماحدث من أخطاء لا يمكن أن يتكرر وأن حرمة الجامعات ثابت من الثوابت الفلسطينية، وقال بالحرف الواحد: إحنا أخطأنا وخير الخطائين التوابون.

في المقابل صرح محافظ نابلس أن ما حدث داخل الجامعة شأن داخلي للجامعة وعلى إدارتها تحمل المسؤولية وعلاج ذلك، لكنه لم يبرر عدم اتخاذ إجراءات من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية حول من أطلقوا الرصاص في محيط الجامعة أو عدم اعتقال من تسبب في الإصابات والجرحى في صفوف الطلاب، وحتى في صفوف الأمن، وكذلك عدم اتخاذ إجراءات ضد عشرات المسلحين الذين ظهروا في أسلحتهم وهددوا وتوعدوا وكأنه لا يوجد أجهزة أمن، وأن هؤلاء المسلحين هم حماة نابلس وجامعتها بل وحماة الوطن من خطر الانقلابات أو المؤمرات!

الفصائل التي خرجت بإدانات لفظية دون تحرك ملموس على الأرض هي شريك في استفحال الأزمة بل وتعميمها على مختلف الجامعات حيث برر البعض أن هذا القمع للطلاب له شبيه أخطر وأكبر في قطاع غزة، وأن من فعل وأجج الأحداث هم أفراد من حماس، بمعنى شرعنة القمع وأن العين بالعين والسن بالسن وكأن غزة نموذج يجب أن يعمم أو أن نقلده أو نرد عليهم في الضفة.

 ما يحدث في غزة نعم أخطر، حيث أن القمع وصل لحد قطع الأرجل بل وقطع الرؤوس دون محاكمات أو قوانين، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال تقليده أو اخذه مبرر لما حدث.

ملخص أسباب ما حدث في النجاح هو غياب الديمقراطية عن الجامعة سواء في منع او تأجيل الانتخابات الطلابية لأعوام وحصر قيادة مجلس الطلبة لطلاب مضى على وجودهم في الجامعة عشرات السنين، اليد المطلقة لأمن الجامعة في مواجهة الطلاب أو حتى نقابات العاملين فيها وتهديدهم وظهور أسلحة معهم في مناسبات عدة دون رادع أو إجراء قانوني، كل ذلك رغم اعتداءات سجلت ضد طلاب أو أساتذة الجامعة وحرق سياراتهم، وأخيراً تقليد ما يحدث في غزة بل وتصريح البعض أن هذا رد على ما تقوم به أجهزة حماس ضد الجامعات هناك ومنع أي انتخابات فيها.

يكمن حل ما جرى في النجاح في تدخل المستوى القيادي الأول في السلطة الوطنية، والوقوف على حقيقة ما حدث ومعاقبة رادعة للمسؤولين عن هذه التجاوزات الخطيرة من خلال لجنة تحقيق محايدة تشارك فيها مؤسسات المجتمع المدني وقادة مستقلين ومحايدين أو قضاة مشهود لهم بالنزاهة والشفافية، وإعادة الحياة الديمقراطية داخل الجامعة سواء للطلاب أو العاملين بعيدا عن التهديد والوعيد وأن تجرى انتخابات حرة ونزيهة لمجلس الطلبة في الجامعة لتمثيل الطلبة تمثيلاً صحيحاً.