سأجلس أنا والإعلامية الشهيدة على طاولة برنامج "مرآة الصحافة" في استوديو قناة الجزيرة برام الله، تستعد هي لمحاور المقابلة على الصحف الفلسطينية "الأيام، القدس، الحياة" وصورها على الصفحة الأولى على تلك الجرائد؛ اسمها هو العنوان الأبرز في جميع وسائل الإعلام المحلية والدولية ووسائل الإعلام المجتمعية.
1..2..3 ... نحن على الهواء مباشرة، تقرأ شيرين أبو عاقلة عناوين اغتيالها برصاص الاحتلال، تُرحب بي وتُباغتني بسؤالها ماذا حدث؟ لا أعرف الإجابة!! أسأل نفسي.. كيف تسأل الحقيقة عن ذاتها؟ كيف يسأل الخبر عن مضمونه؟ كيف أصبحت هي السؤال والجواب؟ المراسلة والتقرير؟ كيف لصاحبة المشهد والصورة أن تسأل عن ذاتها... أستجمع قواي وأجيب باختصار: تم اغتيال الحقيقة.
تسأل شيرين كعادتها الأسئلة التي تُفكك مفاصل النصوص المترابطة بصيغتها الكلاسيكية لتقديم الجديد للمشاهد: لماذا كل هذه الضجة الإعلامية بالأخبار عن مراسلة في قناة إخبارية؟ استفزني هذا السؤال، أحاول أن أسيطر على مشاعري لكني أندفع بالقول لها: كُنت أنت كل الإطار الناظم لكل الرواية الفلسطينية من خلال تقاريرك المهنية خلال مسيرتك الإعلامية من زقاق المخيم، والقرى والمدن، بمختلف القضايا الوطنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية.
تحاول شيرين أن تقاطعني لكي تسأل سؤالا آخر؛ لكني أستمر بالحديث بصوت مرتفع: هو تواضعك مع الجميع، هي ابتسامتك التي تدوم وتنعكس على كل من هم حولك وفلكك، هو تواجدك في الأماكن التي لا يتواجد بها من يجب أن يكون، هو هدوؤك في لحظة الغضب.  
تُقاطعني مجدداً.. تبتسم لأنها أجبرتني على التوقف عن استكمال حديثي، تنتقل إلى صحيفة أخرى وتسألني وهي تنظر إلى الصفحات الداخلية: هل هذا الخبر صحيح وما مدى دقته: الآلاف يشاركون في تشييع جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة؟ ماذا لو استيقظت من سُباتك الأبدي لساعات محدودة ونقلت الخبر أنت عن ذاتك ماذا كنت ستقولين؟ تصمت لا تجيب عن سؤالي، لكني أهمس لها: ما أكثر من سيتمنى أن تخرج له مثل هذه الجنازة!!
فيما تبقى من وقت لنا من عُمْر اللقاء ماذا بعد هذه الجريمة؟ تسأل شيرين، أحاول أن أستثمر الوقت المُتبقي معي في البرنامج ومعها قبل رحيلها إلى مكانها الأخير الذي تحب القدس... الآن وقت العمل، على الكُل الفلسطيني وخصوصاً قطاع الإعلام وحقوق الإنسان أن يفضحوا جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني بطرق غير تقليدية وعدم الاكتفاء بالبيانات والتصريحات الصحافية الداخلية، على قناة الجزيرة أيضاً استنهاض كل أدواتها في تعرية الاحتلال وممارساته بحق الكُل الفلسطيني، وعلى المؤسسة الرسمية التوجه الآن إلى كل المحافل الدولية لعمل اللازم دون أي تراجع أو تهاون مع أي جهة كانت.
أستيقظ من حالة اللاوعي.. لا أجد شيرين أبو عاقلة بجانبي ولا أنا في استوديو الجزيرة، لكن كان أمامي ثلاث صحف فلسطينية بالعناوين التالية "هكذا اغتال جيش الاحتلال شيرين أبو عاقلة"، "استشهاد أيقونة الصحافة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة"، "من فلسطين "كانت معكم شيرين أبو عاقلة".