كتب رئيس التحرير: ليس شرطاً أن تسيل دماؤنا على الطرقات لنقول إننا قتلنا بعضنا البعض، يُمكن أن نمارس التصفية المعنوية بحق أنفسنا، وهو أمر لا يقل بشاعة وخطورة عن القتل المادي الجسدي، وهذا تماماً ما جرى منذ يوم أمس مع الأسير المحرر والقامة الوطنية عصمت منصور.

لم يتعرض منصور لمحرّم من محرمات الوطنية أو الدينية أو الاجتماعية، لم يفعل شيئاً سوى أنه تساءل، تساءَل فقط، في محاولة منه لتصحيح مسار، وكتابة ملاحظة، وإبداء رأي، لتقوم القيامة عليه، بل لتنفجر الدنيا من حوله، وليوصف بأبشع الأوصاف، وليُنعت بأقذر النعوت، وهو الفلسطيني صاحب الكلمة الجريئة الصادقة الوطنية.

كان (الكفر) الذي وقع فيه منصور هو قوله (أتفهم رفع رايات فصائلية في مسيرة ينظمها فصيل ما في غزة مثلا( كما حدث اليوم)، لكن:  ما الفكرة من وراء رفع اعلام حماااس في الاقصى؟ هل تريد ان تقول ان كل المصليين حماس؟ ام انها هي فقط من يدافع عن الاقصى؟؟ ام استعراض ودعاية ومحاولة جني ثمار؟؟ ما علاقة العلم الحزبي بالصلاة؟ طبعًا لن اتحدث عن استغلاله إعلاميًا من قبل الاحتلاال للإدعاء اننا من يبادر الى التصعيد و(مشاغبين).

عبّر منصور في تساؤلاته عن تيار فلسطيني يرى ما يراه هو، لم يكن رأياً نشازاً أو شاذاً، ولم يجرّح أو يكفر أو يخون، إلا أن ذباباً إلكترونياً لا يُمكن وصفه بالبريء أو العفوي شنَّ حملة كبيرة على الرجل ليصل الأمر إلى محاولة تصفية معنوية له.

لم يخرج صوت واحد من المستوى السياسي أو القيادي في حماس ليكبح جماح ما يتعرض له عصمت منصور، وكأنها إشارة للذباب الإلكتروني بالاستمرار في حملته، فالسكوت علامة الرضا، وهو ما قامت به حركة حماس التي انتقدها عصمت منصور بأدب.

ما جرى مع منصور أمر خطير، ليس لشخصه فقط، بل لأن ردة فعل حماس (غير الرسمية) أو الرسمية المبطنة بغطاء التجاهل والسكوت تشير إلى أن حماس وضعت قاعدة لنفسها أن كل من ينتقدها خارج عن الصف الوطني، بل إنها رسمت لنفسها ووضعت لها هالة "تابو" ممنوع على أحد الاقتراب منها أو الإشارة إليها، وهو الأمر المستباح جداً عندما يتحدث عناصرها وقادتها عن بقية مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله، فيحق لهم إلباس الناس لباس الوطنية أو نزعه عنهم!

ما جرى مع منصور بداية غير مطمئنة لنهج بدأ بالظهور بقوة، فتخوين السلطة وقيادتها والأجهزة الأمنية بات أمراً طبيعاً مألوفاً في صفوف حماس، أما أن ينتقل هذا التخوين إلى كل من يعارض حماس أو حتى ينتقد تصرفاً لها فهو أمر جديد مقلق ومخيف.

كيف لحركة تطرح نفسها على أنها سياسية أن تتعامل مع مجتمع كامل بهذه العقلية؟ كيف تحكم غزة إذن؟؟ وما الذي كان سيحدث لو استمرت حكومتها في الضفة الغربية؟ 

على حماس وغيرها من الفصائل أن تفهم أنها تحت مقصلة ومشرحة المجتمع، ينتقد فيها ما يشاء، ويشيد بما يشاء، فهي ليست ديناً أو نبياً لتكون معصومة.