كتب رئيس التحرير: إذا أفرزت الانتخابات المحلية الأخيرة نتائج، فإن أبرزها هو ضعف المشاركة والتي لم تتجاوز الـ 53% من مجمل من يحق لهم التصويت، إضافة إلى إقصاء المنتخِبين للأحزاب السياسية التقليدية، متجهين إلى المستقلين والعشائر والشخصيات المجتمعية، هذه خلاصة ما حدث في الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات المحلية، والتي تعد نموذجاً مصغراً للانتخابات العامة في فلسطين.

تتقاطع هذه النتائج مع ما أعلنته الجهات الرسمية حول مشاركة المدن الصغيرة (ذات البعد العشائري) أكثر من المدن الكبيرة (التي يضعف فيها البعد العشائري)، فالدافع في أحيان كثيرة للمشاركة كان اللون العشائري لا الحزبي.

لم يكتسح أي فصيل في الانتخابات الأخيرة، وكل ما أعلن كان بيعاً للوهم على أنصار تلك الفصائل، فكيف يكون الاكتساح و65 % من أصوات المشاركين في الانتخابات ذهبت للمستقلين؟ وكيف يكون الاكتساح وبعض المدن الرئيسية لم يشارك فيها أكثر من 6 آلاف مقترع؟ وهل العجز عن تشكيل قوائم في أكثر من بلدية يعتبر اكتساحاً؟ وهل الخلافات والاشتباكات لقيادات من نفس الفصيل كل يدعم قائمة مختلفة يعتبر اكتساحا؟

العزوف الشعبي الكبير الذي ظهر في هذه الانتخابات يعود لأسباب عديدة، أبرزها ضعف وانتفاء ثقة الناخب بالأحزاب والقوائم المترشحة، فلم يرَ الشارع فرقا واضحاً بين مختلف القوائم سواء الحزبية أو المستقلة والمجربة في انتخابات سابقة، فمخالفات البناء مستمرة والاعتداء على الشوارع حدث ولا حرج والبسطات لا زالت في الشوارع وأزمة المرور تتفاقم، وشركات المقاولات تنهب المواطنين سواء بتنفيذ المشاريع دون رقابة او محاسبة، فما أن يرى المواطن تعبيد شارع حتى تأتي أول "مطرة" فيتحول الشارع لحفر ومسابح، وتجد مشكلة الكهرباء في بلدية لم تعالجها ثلاث بلديات منتخبة سابقة بل تزداد و تتفاقم، النفايات تملأ الشوارع وغياب للمنتزهات العامة وقلة المدارس بل وازدحام الصفوف المدرسية، ناهيك عن عدم تأهيل المدارس من حيث الملاعب والمرافق والخدمات والتدفئة.

الخلل واضح وهو غياب قانون ملزم للبلديات وغياب الرقابة والمحاسبة للمجالس البلدية فكلُ يغني على ليلاه، فهل سمعنا عن محاسبة مجلس بلدي منح رخصة لعمارة تخالف المعايير والقانون؟ وهل تم محاسبة مجلس بلدي على تنفيذ شارع مخالف للمواصفات؟ وهل تم محاسبة مجلس بلدي عن السرقة التي تحصل فيه؟ وهل تم محاسبة بلدية أو لجنة سير حولت شارع لاتجاه واحد لخدمة تاجر معين وخلقت أزمات خانقة في المدينة؟

مرة أخرى ظهر سلاح "الأعراس" في الانتخابات الأخيرة، آلاف الطلقات أطلقت في الهواء، عشرات آلاف الشواقل رُميت في القمامة، بدل أن تعبد بها الطرقات، ويُبنى بها المدارس والمرافق العامة، فهل هؤلاء سيؤتمنون على مصالح الناس في فترة توليهم المجالس البلدية؟!
 
الخطير في ملف الانتخابات المحلية أن نصف من يحق لهم الاقتراع فضلوا الصمت عن المشاركة فيها، ما يعني أن احتمالية صمتهم في الانتخابات (العامة) إن حصلت أمرُ وارد، وهي طامة كُبرى للنظام السياسي، أي نظام سياسي، حالي أو مقبل، فالفساد المستشري وضعف الثقة بين المواطن والمسؤول دفعت المواطن للتقوقع (سياسياً) والانعزال عن النظام الحاكم، من البلديات وحتى المجلس التشريعي (إن أعيد أحياؤه).