كتب رئيس التحرير: فوق كل "الدَّق" والضغط والقتل والحصار والفقر، تأتي لقمة العيش لتضيف على هم الفلسطينيين همَّا جديداً، تلك اللقمة التي يحتاجها الفلسطيني في مشواره نحو الدولة المستقلة، على عكس من يقولون إن "شعبنا لا يريد لقمة عيش بل دولة مستقلة".

ارتفاع الأسعار الجنوني على معظم السلع الأساسية وغير الأساسية يصحبه ارتفاع كبير على الضرائب التي رُفعت في عهد حكومات متعاقبة حتى وصلت لنسبة 43% من دخل الفرد الفلسطيني، فيدفع المواطن ضريبة الأملاك وضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل وبدل نفايات، ناهيك عن رسوم مضاعفة على المعاملات المختلفة بعضها ارتفع بنسبة 700 %، أضف إلى ذلك رسوماً بلا قانون مثل بدل التوقف في المدن الفلسطينية ومخالفات العدادات ورخص البناء ورسوم الزواج والطلاق وتسجيل الأراضي وضريبة المغادرة إلى الأردن حتى بدل قبور الموتى، ومع كل هذا "الفتّ" تجد الحكومة تقول لم نرفع الضرائب!

ربما لم ترفع الحكومة الضرائب، لكنها استمرت على نهج الحكومات السابقة التي رفعت كل شيءٍ تقريباً، فبدل أن تتشدق الحكومة بقولها لم نرفع الضرائب، لماذا لا تُخفضها؟! فلا يكون حالها كمن رأى جريحاً يحتضر فيتركه للموت قائلاً: لم أكن أنا من أطلقت النار عليه!

الاحتجاجات التي شهدتها الخليل ونابلس ومدن أخرى تدق ناقوس خطر، وتحذر من انفجار الشارع، فالمواطنين الذين أصبحوا لا يجدون قوت أبنائهم لن يخسروا شيئاً آخر لو انفجروا، فلماذا تقف الحكومة عاجزة عن نزع فتيل القنبلة؟

لسنا عُميٌ عن سياسات الحصار المالي والسياسي على السلطة الوطنية والتي تقودها أمريكا وإسرائيل وتبعهم الاتحاد الأوروبي والعرب، فلماذا تركنا وسائل الضغط واعتمدنا على عطف هؤلاء؟ ألا توجد لدينا خيارات تجعل إسرائيل والمجتمع الدولي والعرب يقاتلون من أجل دعم السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني، حماس في غزة استخدمت صواريخها وجعلت العالم يضغط على قطر لإرسال الملايين وعبر إسرائيل، فهل انعدمت الوسائل لدينا؟! ونحن هنا لا نطلب خيارات عسكرية بل إجراءات مثل حل السلطة الوطنية وإلغاء الاعتراف بإسرائيل ولتتحمل سلطة الاحتلال تبعات ذلك، أو لنُخفض نسبة مصاريف الأمن من 33% من الموازنة لتصبح فقط ما يوازي رواتبهم بحيث يكون عملهم بالحد الأدنى بحيث يتحمل الاحتلال كامل المسؤولية داخل المدن الفلسطينية، وهناك خيارات متعددة أخرى منها  الانضمام للمؤسسات الدولية ومحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبها جنودها.

المواطن الذي يئن تحت وطأة التزامات معيشية وأقساط جامعات وبطالة ومصاريف صحية لن يستطيع الاستمرار في تحمل الواقع الحالي، وكذلك الموظفين الحكوميين الذين لديهم مصاريف وقروض وبدل فواتير ماء وكهرباء يحصلون الآن على 80 % من رواتبهم، علما أن هذه النسبة غالبا تغطي ما ذكرناه من مصاريف وكان المعظم يعيش بنسبة الـ 20 % التي تم خصمها.

الآن، بدأت الشيكات الراجعة مصدر تهديد لهم والتي بإمكان الحكومة أن تعرف نسبتها من خلال سلطة النقد الفلسطينية.

الحالة الصعبة التي يعيشها المواطن ومعالجتها تقع على عاتق الحكومة وصبر المواطن لن يطول، والمطلوب من الحكومة التقشف، مطلوب منها أن يتقشف وزراؤها وسياراتهم والسفارات والسفر والتعيينات والترقيات غير القانونية وغير المبررة واتخاذ قرارات واضحة بخفض الضرائب ومعالجة ارتفاع الأسعار، وصرف كامل رواتب الموظفين وتخفيض نسبة البطالة ودعم العائلات الفقيرة وإجراءات أخرى تحمي الفرد من العوز وقلة الحيلة التي أصبح يعيشها الناس، فهل ستتوقف الحكومة عن القول "أنا ما دخلني" قبل فوات الأوان.