كتب رئيس التحرير: تمثل الانتخابات الوجه البارز والعملي للديموقراطية، حتى باتت ركنَ الديموقراطية الأساسي، ودونها تسقط الأنظمة والدول في مستنقعات الاستبداد والديكتاتورية، ففيها ومن خلالها تجتمع رغبات وتوجهات المواطنين والناخبين حول البرامج التي يضعها المرشحون ويختارون من خلال صناديق الاقتراع ممثليهم ومن يحقق لهم تلك الرغبات والحاجات للوصول لمجتمع أفضل.

ما يحصل في واقع انتخاباتنا المحلية الفلسطينية يبتعد كل البعد عن الهدف الحقيقي للانتخابات، وعن فلسفة الديموقراطية وروحها، وذلك دون الخوض في نزاهتها او نضج ظروف اجرائها، فهي بالمحصلة تغيير وجوه وتبديل مصالح أفراد حيث لا توجد برامج انتخابية يتم تنفيذها بل شعارات سياسية وتنافس أحزاب وعائلات بعيداً كل البعد عن حاجة القرية أو المدينة أو الوطن كلل.

بتقييم سريع مدعم بآراء خبراء لعمل البلديات والمجالس المحلية السابقة نجد أن معظمها تغيب عنها وفيها معايير وخطط وقوانين موحدة من حيث البناء والتراخيص والتخطيط الهيكلي وآلية اختيار المشاريع وطريقة شق الطرق أو صيانتها، حيث تجد الاعتداءات على الأملاك العامة دون حسيب أو رقيب وتجد أن طرقاً يتم شقها تخدم أفراداً بعينهم،  تجد عمارات بعدد طوابق مخالفة للقانون ويتم معالجتها بمخالفة لا تنسجم مع مصلحة البلد ثم تجد عمارات بلا كراجات للسيارات ومبانٍ تحل محل آثار ممنوع البناء مكانها أو تغيرها، تجد بناء عشوائياً يتم إيصال كهرباء أو ماء أو طرق لها تُكلف البلد تكاليف عالية تفوق تكلفة خدمات أخرى لكل القرية تُنفذ على حساب تلك الخدمات.

تجد مجالس محلية أو حتى بلديات تداول عليها المئات لا يوجد فيها حدائق عامة أو ملاعب رياضية  أو حتى عيادة طبية ونقص حاد في بناء المدارس وصيانتها، تجد أن شوارعها والتي عرضها 20 أو 16 متراً أصبحت ثلاث أمتار فقط، تبدأ دورة انتخابية وتنتهي أخرى دون أن ينفذ مشروع واحد للقرية أو البلدة.

في انتخاباتنا المحلية يستطيع أي شخص ترشيح نفسه حتى لو لم يكن يمتلك صفات أو مؤهلات لقيادة مجلس أو بلدية، بل المطلوب "عرفياً" عائلة كبيرة ومسلحين وأحياناً زعران وشبيحة، وجزء كبير منها يتم بتوافق فصائل أو حتى عائلات دون برامج انتخابية يتم المحاسبة وفقها.

بلديات تُرهق  بتعيينات من قبل البعض لـ" سداد دين لمن انتخبهم"، ومعظم البلديات وقعت في ورطة البطالة المقنعة، وحتى لو استلم تلك البلدية أفضل الأشخاص لن يستطيع العمل بسبب وجود تلك الأعداد وحتى لو فكر بإنهاء خدماتهم فقد يخسر روحه أو يعيش في خوف من التهديدات!

بعض الشخصيات المؤهلة التي تفوز بالانتخابات المحلية لا تجد من يقف معها أو يحميها لتنفيذ قانون البلدية فيخضع الكثير منهم للابتزاز  "وعلى عينك يا تاجر" وتحت أنظار وزارة الحكم المحلي، وهناك أشخاص غير مؤتمنين يخضعون بالرشوة، وأصبح المحترم لا يجازف بسمعته لدخول مثل هذه الانتخابات بسبب قناعته أنه لن يستطيع إجراء أي تغبير لمصلحة البلدة أو المدينة.

اختيار المرأة في بعض القرى والذي هو الزامي يتم من خلال إضافة اسم زوجة أو أخت أحد أعضاء المجلس، فلا تحضر الاجتماعات ولا تتمتع أصلاً بأي صفة تؤهلها لهذا المنصب، لتظل مشاركة المرأة شكلية فقط، دون اختيار الكفاءات!

باختصار وبصراحة، إجراء الانتخابات المحلية في فلسطين حاجة ضرورية وظاهرة حضارية لكنها لم تَعُد تحقق ما هو مطلوب منها في ظل الفوضى الموجودة وغياب قوة القانون ولم تَعُد تحقق أهداف إجرائها، بل إن إنفاق الأموال على إجرائها يشكل عبئاً على الشعب والدولة، وعدم إجرائها أفضل في بعض الأحيان، ولنكون صريحين أكثر فإن الحصان يجب أن يسبق العربة لا العكس، فالانتخابات التشريعية هي التي ستفتح المجال لانتخابات بلدية ومحلية "أنظف وأرقى".