منذ تأسيسها وخلال كل ‏مراحل وجودها لم يحدث ان ‏تعرضت السلطة لكثافة ‏نيران ذات مصادر متعددة ‏واجندات متباينة مثلما ‏تتعرض الان.‏


•نار إسرائيل التي تريدها ‏على قيد الحياة ولكن في ‏منتهى الضعف، مما ‏يوفر منطقية لادعائها ‏بانها لا تصلح شريكا في ‏عملية سياسية.‏


•ونار أمريكا التي تريدها ‏أيضا على قيد الحياة ‏ولكن عزلاء عن أي ‏مضمون سياسي، وحتى ‏سيادي محدود.‏


• ونار أوروبا التي تريدها ‏سلطة فاضلة ديموقراطية ‏حديثة، ولكن بدعم فعلي ‏لهذا كله يصل درجة ‏الصفر.‏


•ونار العرب الذين انكفؤا ‏على ربيعهم وتطبيعهم، ‏وكأنهم بمعظمهم يقولون، ‏اخلعوا اشواككم بأيديكم.‏


•ونار السخط الشعبي الذي ‏لم يعد يرى فيها حكما ‏ذاتيا رشيدا، كما لم يعد ‏يثق بما كان يعتقد في ‏البدايات على انها مقدمة ‏لولادة دولة مستقلة.‏


•ونار حماس التي تريدها ‏نسخة طبق الأصل عن ‏غزة في مجال المقاومة.‏


• ونار رام الله التي ما ‏تزال تعتمد مشروعا ‏يواصل الانهيار والابتعاد ‏عن الأهداف المرجوة ‏منه.‏


•ونار مزاج فلسطيني حاد ‏بعضه يحبذ ولو على ‏مضض بقاء السلطة على ‏حالها خوفا مما سيحدث ‏جراء التخلص منها ‏وبعض آخر يدعو الى ‏تقويضها وليكن ما يكون ‏بعد ذلك.‏

كل هذه النيران، العدوة ‏والصديقة والذاتية، لم تجد ‏حتى الان الاطفائية الكفؤة ‏لوقفها او التخفيف من ‏أذاها، وكلما مر الزمن دون ‏حلول يتضاعف الأذى ‏ويتسع حريق الغابة.‏

الحلول التي يجري تداولها ‏لا نتيجة فعلية لها فما هو يا ‏ترى هذا الذي يتداول؟

في الشأن السياسي تعويل ‏مبالغ فيه على المجتمع ‏الدولي الذي هو في واقع ‏الامر عنوان متجرد من أي ‏مضمون فعلي، فهو في ‏شأن البيانات والقرارات ‏معنا بنسبة 100%، وبشأن ‏انعدام الفاعلية فبنفس ‏النسبة، وما ينطبق على ‏المجتمع الدولي الذي هو ‏قوة افتراضية ينطبق على ‏ما هو اقل من الأمم المتحدة ‏كتجمعات إقليمية ودولية ‏وقومية، فتعطيك من ‏القرارات ما تطلبه انت ‏وتعفي نفسها من أي جهد ‏لتطبيق ما أعطت.‏

أما الشأن الداخلي، فعلى ‏مدى زمني يزيد عن عقد، ‏وهو يواصل تجمده وركوده ‏من خلال انقسام لا حل له، ‏حتى انه لم يعد قيد الاهتمام ‏ليس ذلك فحسب بل ‏مؤسسات لا وجود لها حتى ‏بمستوى الحد الأدنى، الفعل ‏الوحيد الذي يوفر نسغ حياة ‏للقضية الفلسطينية هو ‏مبادرات عفوية تارة يقوم ‏بها السجناء عبر هروب ‏يداني الأسطورة مما لفت ‏نظر العالم بأسره نحو ‏وجود قضية حية لها من ‏يخدمها، وتارة أخرى ‏تنهض فعاليات شعبية ‏لحماية ارض مهددة ‏بالاستيطان او للتعبير عن ‏رفض إجراءات غاشمة في ‏القدس وغيرها، أو ‏باشتباكات مع الجيش ‏والمستوطنين الذين لا ‏يكفون عن الاقتحامات ‏واقتلاع الأشجار وتنغيص ‏الحياة حتى على الأطفال ‏في اسرتهم ومدارسهم.‏

الفعل هذا أكثر قوة في ‏التأثير وتأكيد النفوذ من ‏مناشدات المجتمع الدولي او ‏الدعوات المستميتة ‏لاستئناف المفاوضات، او ‏سلسلة الاسفار التي يؤديها ‏مسؤولون تحت عنوان ‏وضع الأصدقاء في ‏الصورة.‏

حال السلطة وحالنا وما ‏وصل اليه، لا يحتمل ‏المغالاة في الخطاب ولا ‏الانقسام بين الأبيض ‏والأسود وبين من يقدم ‏نفسه على انه الوطني ‏المخلص ويقدم خصمه على ‏انه المتآمر والخائن.‏

إن وضعنا لا يحتمل امراً ‏كهذا بقدر ما هو مطلوب ‏حقا التوازن في أداء المهام ‏الداخلية والخارجية، فعلى ‏الصعيد الداخلي لن تنتظم ‏امورنا ما لم يستعاد دور ‏المؤسسة في حياتنا وما لم ‏يُمكًّن الشعب من تجسيد ‏ارادته بعيدا عن سطوة ‏قوى الامر الواقع، التي ‏تفرض اجنداتها الخاصة ‏على الشعب وقضيته ‏ومصيره. ولا يشاهد على ‏أرض الواقع من هذه ‏الاجندات سوى اللف ‏والدوران في الحلقات ‏المفرغة.‏

لا أحد يلغي أهمية التوجه ‏الى المجتمع الدولي كمنبر، ‏الا ان الخطأ الفادح ان ‏يجري التعويل عليه كمنقذ ‏ينوب عنا في أداء مهامنا او ‏كأنه مأمور يقف خلف ‏الباب ليتلقى الأوامر منا.‏

عودة الى السلطة وتقاطع ‏النيران عليها فليس صحيا ‏الانقسام حول بقائها او ‏التخلص منها، فالصحي أن ‏يتبلور اجماع او اغلبية تعيد ‏الأمور الى نصابها… ‏سلطة يجب ان تتقوى ‏بشعبها وليس بأجهزة ‏التنفس الصناعي، وان ‏توفر لذاتها المقومات ‏الكفيلة لان تعود الى ‏وظيفتها التي كانت مبررا ‏لولادتها أي إدارة شؤون ‏الناس، مع توفير كل ما ‏يلزم لتكون مقدمة للدولة ‏المنشودة وامر كهذا لن ‏يوفره لا المجتمع الدولي ‏ولا الأقليم بل يوفره ‏صاحب العلاقة الأول ‏والأخير الشعب الفلسطيني، ‏فمن دونه لا ارض بديلة ‏يقف عليها مشروع الصمود ‏ومشروع النصر.‏