مجاعة بألمانيا قتلت 700 ألف شخص وغيرت مستقبل البلاد
منوعات

مجاعة بألمانيا قتلت 700 ألف شخص وغيرت مستقبل البلاد


رام الله - صدى نيوز - قبيل سنوات قليلة من اندلاع الحرب العالمية الأولى، احتضنت العاصمة البريطانية لندن جملة من الاجتماعات بين كل من فرنسا وبريطانيا لمناقشة سبل التعاون والتنسيق العسكري بين الطرفين في حال نشوب حرب مستقبلية ضد الألمان. وخلال هذه الاجتماعات، اتفق الحليفان على ضرورة فرض حصار بحري على الموانئ الألمانية خلال الحرب. وبالتزامن مع ذلك، أثنى رئيس قسم الاستخبارات بالبحرية البريطانية تشارلز أوتلي (Charles Ottley) على إمكانيات السفن الحربية البريطانية، مؤكداً على قدرتها على حماية الجزر البريطانية وتأمين إمدادات البلاد وفرض حصار بحري خانق على الألمان.

وما بين سنتي 1914 و1919، قطعت سفن الحلفاء الإمدادات عن الموانئ الألمانية لتحرم بناء على ذلك كلا من ألمانيا والنمسا - المجر من نسبة هامة من المواد الأولية والمواد الغذائية. وإضافة إلى المعارك البرية والتي لعبت دوراً أساسياً في حسم الحرب العالمية الأولى، كان للحصار البحري الذي فرض على الموانئ الألمانية أثر كبير في إضعاف ألمانيا حيث حرمت الأخيرة من تجارتها مع مستعمراتها وبقية الدول لتغرق بذلك في عزلة اقتصادية عجّلت بهزيمتها.

ولسوء حظ ألمانيا، مثلت الواردات والتجارة البحرية المحرك الأساسي للاقتصاد حيث استوردت الأخيرة ما يعادل 77% من حاجياتها من المواد الأولية كالنفط والفحم الحجري والمطاط والتي كانت مواد أساسية للصناعة الألمانية. فضلاً عن ذلك، حرم الحصار البريطاني الألمان من نسبة هامة من الغذاء والمواد الكيمياوية مثل نيترات الصوديوم والتي احتاجها الفلاحون الألمان لتحسين جودة التربة الزراعية.

وتزامناً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، لم تتردد السفن البريطانية منذ شهر آب/أغسطس سنة 1914 في فرض حصار على الموانئ الألمانية، ومع حلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر من نفس السنة أعلنت البحرية البريطانية منطقة بحر الشمال منطقة حرب مهددة باعتراض جميع السفن التي تبحر هنالك. وأثارت هذه القرارات البريطانية غضب الجانب الأميركي والذي سعى لاستغلال الحرب لتحقيق أرباح إضافية عن طريق تدعيم علاقاته التجارية مع مختلف الدول المتحاربة. ولإرضاء الأميركيين وتعويضهم عن خسارة السوق الألمانية، لم تتردد بريطانيا في زيادة نسبة تبادلها التجاري مع الجانب الأميركي بشكل لافت للانتباه.


وأسفر الحصار البريطاني عن نتائج كارثية على الجانب الألماني، فخلال سنة 1915 تراجعت نسبة الواردات الألمانية إلى النصف. فضلاً عن ذلك، حرم تراجع الواردات الألمان من الأسمدة اللازمة للفلاحة مما أدى إلى انهيار زراعة الحبوب وتراجع كميات اللحوم التي لم تتردد السلطات في مصادرتها لإرسالها نحو الجنود على الجبهة، وفي مقابل ذلك أجبر المواطنون الألمان على استخدام البضائع البديلة.


ومع بداية النزاع العالمي، راهنت ألمانيا على حرب قد تستمر لأشهر معدودة حيث لم تكن الأخيرة مستعدة لمجابهة حرب تمتد لسنوات، ويعزى السبب في ذلك أساساً إلى أزمة الغذاء التي عانت منها. وأواخر شهر آب/أغسطس سنة 1916، وضعت ألمانيا برنامج هيندنبورغ (Hindenburg Programme) الهادف لزيادة إنتاجية البلاد عن طريق تشغيل جميع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و60 سنة.

واتجهت ألمانيا نحو مصادرة الغذاء واعتماد نظام الحصص الغذائية ضمن ما عرف بمطابخ الحرب والتي وفرت وجبات هزيلة للمواطنين الألمان لم تتجاوز قيمتها الغذائية اليومية ألف سعة حرارية.

وبسبب هذا الحصار البحري على موانئها، عاشت ألمانيا خلال فترة الحرب العالمية الأولى على وقع مجاعة أسفرت حسب التقارير الرسمية الألمانية الصادرة أواخر سنة 1918 عن وفاة ما يقارب 763 ألف ألماني، حيث تعرض أغلبهم إلى سوء التغذية والأمراض الناتجة عنها، وتزامنا مع ذلك لعبت هذه المجاعة دوراً أساسياً في اندلاع الثورة التي أطاحت بحكم القيصر فيلهلم الثاني (Wilhelm II).


ولم يتردد الحلفاء في مواصلة سياسة الحصار البحري على الموانئ الألمانية طيلة الأشهر القليلة التي تلت استسلام ألمانيا، حيث سعى المنتصرون من خلال ذلك إلى الضغط على الحكومة الألمانية وإجبارها على قبول بنود معاهدة فرساي.